(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41-42]
يقولُ الله –تعالى-: إنَّ الَّذين كَفَروا بالقُرآنِ لَمَّا جاءَهم لَخاسِرونَ، وإنَّ هذا القُرآنَ لكِتابٌ عزيزٌ مُمتَنِعٌ عن الخَلقِ أن يَقولوا مِثلَه، أو يَغلِبوا حُجَجَه، ليس للبُطلانِ إليه مِن سَبيلٍ، وهو تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ يَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه اللَّائِقِ به، حَميدٍ مُنَزَّهٍ -سُبحانَه- عن النَّقائِصِ والعُيُوبِ، مَحمودٍ على ذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ).أي: إنَّ الَّذين كَفَروا بالقُرآنِ حينَ جاءَهم: هم الخاسِرونَ الأذَلُّونَ الأسفَلونَ .
(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ). أي: وإنَّ هذا القُرآنَ لَكِتابٌ عزيزٌ أعزَّه اللهُ وحَفِظَه مِن الباطِلِ، ومِن كُلِّ تَبديلٍ وتَحريفٍ، ومُمتَنِعٌ عن الخَلقِ أن يَقولوا مِثْلَه، أو يَغلِبوا حُجَجَه.
وفيه دليل على أنَّ مَن تَمَسَّك بالقرآنِ فله العِزَّةُ؛ ووجْهُه: أنَّه إذا كان القرآنُ عزيزًا؛ فلا بُدَّ أنْ يَنالَ العِزَّةَ مَن تَمَسَّك به؛ وإلَّا لَكان القرآنُ غيرَ عزيزٍ! ويدُلُّ لهذا قولُ اللهِ –تعالى-: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8].
(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ). أي: ليس للبُطلانِ مِن سَبيلٍ إلى القُرآنِ.
وفيه أنَّ القرآنَ الكريمَ حقٌّ مُنْتَفٍ عنه الباطلُ مِن كلِّ وجهٍ، وهذه الصِّفةُ للقرآنِ مِن صِفاتِ النَّفيِ؛ وتضمَّنتْ بالإثباتِ أنَّه إذا انتفَى الباطلُ منه مِن كلِّ وجْهٍ مِن بيْنِ يديه ومِن خَلْفِه لَزِم مِن ذلك أنْ يكونَ حقًّا مِن كلِّ وجهٍ
(تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) أي: تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ يَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه الصَّحيحِ اللَّائقِ به، ومِن حَميدٍ بالِغِ الإحاطةِ بأوصافِ الكَمالِ، مُنَزَّهٍ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ، مَحمودٍ على ذلك.
وفيه دَلالةٌ على عُلُوِّه سُبحانَه على خَلقِه، وأنَّ كلامَه نَزَلَ به الرُّوحُ الأمينُ مِن عندِه مِن أعلى مَكانٍ إلى رَسولِه، كما فيها أنَّ اللهَ تعالى محمودٌ -بِناءً على أنَّ حَمِيدٍ اسمُ مفعولٍ-، واللهُ عزَّ وجلَّ يُحْمَدُ على كلِّ حالٍ، فعَلَى السَّرَّاءِ واضحٌ أنه يُحمَدُ؛ لأنَّه أحْسَنَ إليك ورَأَف بك، وأمَّا على الضَّرَّاءِ فيُحمَدُ؛ لأنَّه -لا شكَّ- ما قَدَّرَ هذا إلَّا لحكمةٍ، ولأنَّ ما يَتَرَتَّبُ على هذه الضَّرَّاءِ مِن المصالحِ العظيمةِ يَقتضي أنْ يُحْمَدَ اللهُ عليها.
....................
المصادر:
تفسير ابن جرير
تفسير الرازي
تفسير السعدي
إعلام الموقعين لابن القيم
تفسير ابن عثيمين