قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ

قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ
2025/01/06

يرُدُّ سُبحانَه على بعضِ الشُّبهاتِ الَّتي أثاروها حوْلَ القرآنِ الكريمِ، فيقولُ: ولو جعَلْنا هذا القُرآنَ بغَيرِ العَربيَّةِ لَقال كُفَّارُ قُرَيشٍ: لولا بيَّنَ اللهُ لنا آياتِ كِتابِه بِلُغَتِنا؛ لِنَعقِلَ ما فيه! ولو أنزَلْنا هذا القُرآنَ بغَيرِ العَربيَّةِ لَقال كُفَّارُ قُرَيشٍ مُتعَجِّبينَ: أقُرآنٌ أَعجَميٌّ ورَسولٌ عَرَبيٌّ؟!

ثمَّ يأمُرُ اللهُ تعالى نبيَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ يرُدَّ عليهم، فيقولُ: قُلْ -يا مُحمَّدُ- للمُشرِكينَ: هذا القُرآنُ للمُؤمِنينَ هُدًى وشِفاءٌ لهم مِن أمراضِ القُلوبِ والأبدانِ.

ثمَّ يُبيِّنُ موقفَ الكافرينَ مِن القرآنِ، فيقولُ: والَّذين لا يُؤمِنونَ في آذانِهم ثِقْلٌ؛ فلا يَنتَفِعونَ بسَماعِ الحَقِّ، والقُرآنُ عليهم عَمًى؛ فلا يُبصِرونَ الحَقَّ الَّذي فيه، ولَا يَهْتدونَ به، أولئك كأنَّهم لعَمَى قلوبِهم عن فَهمِ ما أُنْزِل في القرآنِ، وعدمِ انتِفاعِهم به- يُنادَونَ مِن مَوضعٍ بعيدٍ منهم، فهُم لا يَسمعونَ النِّداءَ، ولا يَفهمونَه.

(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ). أي: ولو جعَلْنا القرآنَ بلُغةٍ أُخرى غيرِ العَرَبيَّةِ لَقالَ كُفَّارُ قُرَيشٍ: هلَّا بيَّنَ اللهُ لنا آياتِ كِتابِه بلُغتِنا العَرَبيَّةِ؛ حتى نَعقِلَ ما فيه.

(أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) أي: لو أُنزِلَ القُرآنُ بغَيرِ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ لَقال كُفَّارُ قُرَيشٍ مُتعَجِّبينَ ومُنكِرينَ: أقُرآنٌ أَعجَميٌّ ورَسولٌ عَرَبيٌّ؟! كيف يَنزِلُ كَلامٌ أَعجَميٌّ على مُخاطَبٍ عَرَبيٍّ لا يَفهَمُه.

(قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ.) أي: قُلْ -يا مُحمَّدُ- للمُشرِكينَ: القُرآنُ للمُؤمِنينَ هُدًى يُرشِدُهم إلى الحَقِّ، ويُعَلِّمُهم ما يَنفَعُهم، وهو شِفاءٌ لهم مِنَ الجَهلِ والشَّكِّ والشُّبُهاتِ، وأمراضِ القُلوبِ والأبدانِ. وفيها أنَّ الهُدَى في القرآنِ؛ مَنِ التَمَسَه في غيرِه أو في غيرِ ما أَمَر به ضَلَّ.

وهنا قالهُدًى وَشِفَاء ولم يقل: دواء، فالدواء قد يصيب وقد يخطئ، وقد يحصل المقصود منه، وقد يلائم بعض الناس، وقد لا يلائم آخرين، ولكن الشفاء يكون المقصود منه حاصلًا إذا وجد المحل القابل.وهنا أمرٌ يَنبغي التَّفَطُّنُ له، وهو أنَّ الأذكارَ والآياتِ والأدعيةَ الَّتي يُستشفَى بها ويُرقَى بها: هي في نَفْسِها نافِعةٌ شافِيةٌ، ولكِنْ تَستدعي قَبولَ المحَلِّ، وقُوَّةَ هِمَّةِ الفاعِلِ وتأثيرِه؛ فمتى تخَلَّف الشِّفاءُ كان لِضَعفِ تأثيرِ الفاعِلِ، أو لعَدَمِ قَبولِ المُنفَعِلِ، أو لِمانعٍ قَويٍّ فيه يَمنَعُ أن يَنجَعَ فيه الدَّواءُ، كما يكونُ ذلك في الأدوِيةِ والأدواءِ الحِسِّيَّةِ؛ فإنَّ عَدَمَ تأثيرِها قد يكونُ لِعَدَمِ قَبولِ الطَّبيعةِ لذلك الدَّواءِ، وقد يكونُ لمانعٍ قَويٍّ يمنَعُ مِن اقتِضائِه أثَرَه؛ فإنَّ الطَّبيعةَ إذا أخَذَت الدَّواءَ بقَبولٍ تامٍّ كان انتِفاعُ البَدَنِ به بحَسَبِ ذلك القَبولِ، فكذلك القَلبُ إذا أخَذَ الرُّقَى والتَّعاويذَ بقَبولٍ تامٍّ، وكان للرَّاقي نَفْسٌ فَعَّالةٌ وهِمَّةٌ مُؤَثِّرةٌ في إزالةِ الدَّاءِ.

(وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ) أي: والَّذين لا يُؤمِنونَ في آذانِهم ثِقَلٌ؛ فلا يَنتَفِعونَ بسَماعِ الحَقِّ.

(أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ). أي: أولئك البُعَداءُ البُغَضاءُ كأنَّهم لِعَمَى قلوبِهم عن فَهمِ ما أُنْزِل في القرآنِ مِن حُجَجِه ومَواعِظِه، وعدمِ انتِفاعِهم به- يُنادَونَ مِن مَوضِعٍ بعيدٍ منهم، فهم لا يَسمَعونَ النِّداءَ، ولا يَفهَمونَه.

..........................

المصادر:

تفسير ابن جرير

تفسير السعدي

تفسير ابن كثير

غريب القرآن لابن قتيبة

الجواب الكافي لابن القيم

بحث

الأكثر تداولاً

ellipse

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة