(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [15-16: المائدة]
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) أي: قد جاءَكم مِنَ اللهِ –تعالى- القرآنُ العظيمُ، الذي نزَل على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ نورٌ يُستضاءُ به في ظُلماتِ الجَهالة، وعَمَايَةِ الضَّلالة، ويُنيرُ لكم به معالمَ الهِدايَةِ، وهو نورٌ في قلوبِ أَهْلِه المتَّبِعِينَ له، ونورٌ في وُجُوههم، ونورٌ في قُبُورِهم، ونورٌ لهم يومَ القيامَةِ، وهو كتابٌ يُبيِّنُ للخَلْقِ كلَّ ما يحتاجونَ إليه من أُمُورِ دِينِهم ودُنياهم، ولا يُحِسُّ بذلك إلَّا مَن آتاه الله تعالى إيمانًا ويقينًا كاملًا، وكلَّما كَمُل الإيمانُ ازدادَ الإنسانُ نورًا، وتَبيَّنَ له نورُ الشَّريعة.
(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) أي: يُرشِدُ اللهُ عزَّ وجلَّ ويُسدِّدُ بهذا القرآنِ العظيمِ، مَن ابتغى بلوغَ مَرْضاةِ الله –تعالى- فأَقْبَل عليه، وأسلمَ وآمَنَ بالله ربًّا، وبمحمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- نبيًّا، فيُرْشِدُه ويوفِّقُه إلى اتِّباع شرائعِ الإسلامِ، التي فيها النَّجاةُ والأمنُ والسَّلامةُ في الدُّنيا والآخِرة، حتى يَستقرَّ في الجَنَّةِ؛ دارِ السَّلامِ، المنزَّهةِ عن كلِّ آفةٍ، والمُؤمَّنَةِ مِن كلِّ مَخافةٍ . فكلَّما اتَّبَعَ الإنسانُ ما يُرْضي اللهَ، ازدادَ معرفةً بشريعةِ اللهِ؛ وعلى العَكْسِ؛ فمَن أعْرَضَ عن رِضوانِ الله، فإنَّه لا يُهدَى سُبُلَ الله؛ لأنَّه ليس أهلًا للهِدايةِ.
(وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) أي: ويُخْرِجُ مَن اتَّبَعَ رِضوانَه، وهَدَاه سُبُلَ السَّلامِ، مِن ظُلُماتِ الكُفرِ والشِّركِ والمعاصِي، إلى نورِ الإيمانِ واليقينِ والطَّاعَةِ بمشيئةِ الله -عزَّ وجلَّ-.
(وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: ويُرشِدُهم ويُسدِّدُهم إلى طريقٍ لا اعوجاجَ فيه، وهو دِينُ اللهِ القَويمُ. فكلما تمسَّكَ الإنسانُ بشريعةِ الله هداه اللهُ –تعالى-؛ لقوله: وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؛ فالمعاصي سببٌ للزَّيْغِ، والطَّاعةُ والامتثالُ سببٌ للهِدايَةِ والرَّشَد، وهذا له أمثلةٌ كثيرة في القرآنِ.
...........................
المصادر:
تفسير ابن كثير
تفسير ابن جرير
تفسير السعدي
تفسير ابن عثيمين