(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء:9 ]
يُبينُ الله –تعالى- أنَّ هذا القُرآنَ يُرشِدُ إلى أحسَنِ الطُّرُقِ وأعدلِها، وهي مِلَّةُ الإسلامِ، ويُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الذين يمتَثِلون الأمرَ ويَجتنِبون النَّهيَ، بأنَّ لهم ثوابًا عَظيمًا، فمَن اهتدى بما يدعو إليه القُرآنُ كان أكمَلَ النَّاسِ وأقوَمَهم وأهداهم في جميعِ أمورِه.
وهذه الآيةَ جاءت تنفيسًا على المؤمنين مِن أثَرِ القِصَصِ المهولةِ التي قُصَّت عن بني إسرائيلَ وما حَلَّ بهم مِن البلاءِ، مِمَّا يثيرُ في نفوسِ المُسلِمين الخَشيةَ مِن أن يُصيبَهم مِثلُ ما أصاب أولئك، فأُخبِروا بأنَّ في القرآنِ ما يَعصِمُهم عن الوقوعِ فيما وقعَ فيه بنو إسرائيل؛ إذ هو يهدي للطَّريقِ التي هي أقومُ؛ ولذلك ذكَرَ مع الهدايةِ بِشارةَ المؤمنينَ الذين يَعمَلون الصَّالحاتِ.
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). أي: إنَّ هذا القُرآنَ يُرشِدُ المتَّبِعينَ له إلى الطَّريقةِ التي هي أعدَلُ وأفضَلُ وأصوَبُ في كلِّ شأنٍ؛ من العقائِدِ والأعمالِ والأخلاقِ، وهي ملةُ الإسلامِ.
قال الشنقيطي: "هذه الآيةُ الكريمةُ أجمل الله -جل وعلا- فيها جميعَ ما في القرآنِ من الهدى إلى خيرِ الطُّرُقِ وأعدَلِها وأصوَبِها، فلو تتبَّعْنا تفصيلَها على وجهِ الكمال لأتينا على جميعِ القرآن العظيمِ؛ لشمولها لجميعِ ما فيه من الهدى إلى خيرَيِ الدنيا والآخرة".
وفيها إيماءٌ إلى ضمانِ سلامةِ أُمةِ القرآنِ مِن الحيدةِ عن الطريقِ الأقومِ؛ لأنَّ القرآنَ جاء بأسلوبٍ مِن الإرشادِ قويمٍ، لا يحولُ دونَه ودونَ الولوجِ إلى العقولِ حائلٌ، ولا يغادرُ مسلكًا إلى ناحيةٍ من نواحي الأخلاقِ والطبائع إلا سلكه إليها تحريضًا أو تحذيرًا، بحيث لا يعدمُ المتدبرُ في معانيه اجتناءَ ثمارِ أفنانِه، وبتلك الأساليبِ التي لم تبلُغْها الكتبُ السابقةُ كانت الطريقةُ التي يهدي إلى سلوكِها أقومَ مِن الطرائقِ الأُخرَى، وإن كانت الغايةُ المقصودُ الوصول إليها واحدةً ، فما يَهدِي إليه القُرآنُ أقومُ مِمَّا يهدي إليه الكِتابُ الذي قَبلَه، وإن كان ذلك يَهدِي إلى الصِّراطِ المُستقيمِ، لكِنَّ القُرآنَ يَهدي للتي هي أقوَمُ.
(وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا). أي: ويُبَشِّرُ هذا القرآنُ المُؤمِنينَ -الذين يُصَدِّقونَ إيمانَهم بأنَّهم يَعمَلونَ الأعمالَ الصَّالحةَ- بأنَّ لهم ثوابًا عظيمًا في الآخِرةِ.
المصادر:
تفسير ابن عاشور
تفسير ابن جرير
تفسير السعدي
أضواء البيان للشنقيطي