تحذير يهزّ القلب.. آية تكشف لك أخطر ما تفعله دون أن تشعر

تحذير يهزّ القلب.. آية تكشف لك أخطر ما تفعله دون أن تشعر
2025/10/25

تتجلّى عظمة القرآن الكريم في توجيه الإنسان إلى صفاء القلب ونقاء السلوك، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا۟ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُۥۤۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَیُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُوا۟ یَقۡتَرِفُونَ﴾ [الانعام: 120]، فهي دعوة ربانية شاملة لاجتناب كل صور المعصية، علانية كانت أم خفية، حفاظًا على طهارة النفس وصلاح المجتمع.

 

النهي عن الإقدام على الإثم:

والإثم هو لفظ يعم جميع أنواع المعاصي، أي كل ما عُصِي الله به من محارمه، وقد دعا الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الآية، إلى ترك علانية الإثم، وذلك ظاهره، وسرّه، وذلك باطنه.

وفي الآية الأمر باجتناب كل ما يدخل ضمن معاصي الله تبارك وتعالى، فخرج الأمر عامًا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم.

وهي من الأصول الكلية في تحريم الآثام؛ حتى قيل: إن المراد بهذا التعبير ترك الإثم من جميع جهاته؛ أي: جميع أنواع الظهور والبطون فيه.

 

وللعلماء فيه أقوال كثيرة:

عن قتادة قال: ﴿وَذَرُوا۟ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُ﴾، أي: قليله وكثيره، وسرّه وعلانيته.

وقال الربيع بن أنس: نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه، أن يعمل به سرًّا أو علانية، وذلك ظاهره وباطنه.

وقال مجاهد: يعني: ما ينوي من الإثم وما هو عامله.

قال السعدي: الإثم هو جميع المعاصي، التي تؤثم العبد، أي: توقعه في الإثم، والحرج، من الأشياء المتعلقة بحقوق الله، وحقوق عباده. فنهى الله عباده، عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن، أي: السر والعلانية، المتعلقة بالبدن والجوارح، والمتعلقة بالقلب من الكبر والحسد والعجب وإرادة السوء للمسلمين.

وحاصل الأقوال راجع إلى أن الظاهر من الإثم ما كان عملاً بالبدن مما نهى الله عنه، وباطنه ما عقد بالقلب من مخالفة أمر الله فيما أمر ونهى.

 

علامة دالة على الإثم:

وقد جعل الله تعالى في القلب علامة دالة، وهي أن يضطرب عند حدوث الإثم ولا يسكن، كما جاء عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله ﷺ عن الإثم فقال: "الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ" [رواه مسلم (2553)].

وهذا إنما هو لمن كان قلبه صافيًا سليمًا؛ فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثمًا ويكره أن يطلع عليه الناس، أما من فسد قلبه وانتكست فطرته، فقد ينشرح صدره للآثام، ويجاهر بها.

 

كيف يتمكن العبد من ترك المعاصي الظاهرة والباطنة؟
ولا يتم للعبد، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة، إلا بعد معرفتها، والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن، والعلمُ بذلك واجبًا متعينًا على كل مسلم مكلف.

وكثير من الناس، تخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصًا معاصي القلب، كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة.

وبهذا يظهر فساد قول من يقول: إن ما يوجد في القلب لا يؤاخذ به الشخص إذا لم يقترن به عمل، فإنه تعالى نهى عن كل هذه الأقسام بهذه الآية، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: 33]. قال الحاكم: في الآية دلالة على أن العبد يؤاخذ بأفعال القلب، كما يؤاخذ بأفعال الجوارح.

 

جزاء من يكسبون الإثم الظاهر والباطن:
ثم أخبر تعالى، أن الذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن، سيجزون على حسب كسبهم، وعلى قدر ذنوبهم، قلَّت أو كثرت، وهذا الجزاء يكون في الآخرة، وقد يكون في الدنيا، يعاقب العبد، فيخفف عنه بذلك من سيئاته، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾.

والمعنى أن الذين يعملون بما نَهاهم الله عنه، ويركبون معاصيَ الله ويأتون ما حرَّم الله ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾، أي: سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه سواء كان ظاهرًا أو خفيًا، فإن الله سيجزيهم عليه.

وفي ذلك وعيد وتهديد للعصاة الذين يبالغون في إفساد فطرتهم، وتدسية أنفسهم؛ بالإصرار عليه، ومعاودته المرة بعد المرة، كما يدل عليه صيغة المضارع الدالة على الاستمرار في قوله ﴿يَكْسِبُونَ-يَقْتَرِفُونَ﴾.

 

وختامًا فإن ترك الإثم ظاهرًا وباطنًا سبيلُ التقوى وميزانُ الإيمان، فمن طهّر قلبه وجوارحه من المعاصي نال رضا الرحمن، ومن أصرّ على الإثم عُوقب بقدر ما اقترف. فالسعيد من راقب الله في سره وعلنه، وابتعد عن كل ما يُغضبه ظاهرًا وباطنًا.

 

شاركنا رأيك:

ما الخطوات العملية التي تساعد المسلم على ترك المعاصي الظاهرة والباطنة؟

......................

المصادر: تفسير الطبري-فتح البيان للقنوجي- تفسير ابن كثير- تفسير القرطبي- تفسير ابن جزي- تفسير السعدي- تفسير الرازي- نظم الدرر للبقاعي- المحرر الوجيز لابن عطية- محاسن التأويل للقاسمي- تفسير المنار لمحمد رشيد رضا- تفسير أبي حيان.

 

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة