
حفظ القرآن الكريم وتلاوته أعظم مراتب الشرف وأسمى صور الرفعة، وهو زاد الروح ونور القلب، وما نال عبد هذا الفضل إلا رفعه الله به في الدنيا، وأكرمه به في الآخرة.
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنَّ نَافِعَ بنَ عبدِ الحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بعُسْفَانَ، وَكانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ علَى مَكَّةَ، فَقالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ علَى أَهْلِ الوَادِي؟، فَقالَ: ابنُ أَبْزَى، قالَ: وَمَنِ ابنُ أَبْزَى؟ قالَ: مَوْلًى مِن مَوَالِينَا، قالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عليهم مَوْلًى؟! قالَ: إنَّه قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإنَّه عَالِمٌ بالفَرَائِضِ، قالَ عُمَرُ: أَمَا إنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ قدْ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ)[رواه مسلم:817].
فمن أعظم العطايا الربانية أن يجعل الله سبحانه وتعالى صدرك مستودعًا لكلامه، فتأمّل عِظم هذا الفضل يوم القيامة، (يُقالُ لصاحِبِ القُرآنِ: اقْرَأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كُنتَ تُرتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ مَنزِلَتَك عندَ آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤها) [أخرجه أبو داود (1464)، والترمذي (2914) وحسّن إسناده الأرناؤوط]
وإياك وهجر القرآن بعد أن منّ الله عليك بالحفظ وحسن التلاوة، قال عز وجل: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان:٣٠].
ونوصيك بهذه الوصية النبوية الكريمة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: (إنَّما مَثَلُ صاحِبِ القُرْآنِ كَمَثَلِ صاحِبِ الإبِلِ المُعَقَّلَةِ؛ إنْ عاهَدَ عليها أمْسَكَها، وإنْ أطْلَقَها ذَهَبَتْ)[رواه البخاري (5031) ومسلم (789)]. وقوله: الإبل المعقلة أي: المربوطة بالعقال. وفي الحديث إشارة إلى أهمية تعاهد القرآن بالمراجعة باستمرار.
وليكن حفظك بتمهل وإتقان حريصًا على الورد اليومي حتى لا يتفلت منك القرآن، ولتكن لك عبرة وعظة فيما رواه هشام بن محمد بن السائب الكلبي وكان سريع الحفظ سريع النسيان، قال: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، ويحاول أن يدلل على سرعة مقدرته في الحفظ فيقول: عاتبني عم لي على حفظ القرآن فدخلت بيتًا، وحلفت لا أخرج منه حتى أحفظ فحفظته في ثلاثة أيام. ويدلل على نسيانه فيقول: نظرت يومًا في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة.
فداوم على عهدك مع كتاب الله، حفظًا وتلاوةً وتدبرًا، فإن القرآن لا يثبت إلا في قلب يعتني به، واجعل من صحبتك للقرآن طريقًا إلى الجنة.