جاء رمضان ومضى، وأتى العيد وانقضى، وتلك سنة الحياة!
ما في الحياة بقاءٌ***ما في الحياة ثبوت
نبني البيوت وحتمًا*** تنهار تلك البيوت
تموت كل البرايا*** سبحان من لا يموت
💙 وأخفى الله القبول لتبقى القلوب على وجل..
🤲 وأبقى باب التوبة مفتوحًا لئلا ينقطع عن القلوب الأمل..
📖 وجعل العبرة بالخواتيم لئلا يحتقر أحَدٌ أحدًا مهما بلغ من العمل..
⚖️ ولئلا يغتر أحد منا بما عمل..
وقد وصف الله –سبحانه- عباده المؤمنين بذلك، قال الله -تعالى-:
📖 (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَوَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَوَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَوَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَأُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57ـ61]
✨ أي: والَّذين يُعطُونَ ما أعْطَوا مِن زَكَواتٍ وصَدَقاتٍ وغيرِ ذلك، والحالُ أنَّ قُلوبَهم خائِفةٌ مِن رُجوعِهم إلى ربِّهم، وبَعْثِهم يومَ القِيامةِ للحِسابِ والجَزاءِ، فيَخافونَ ألَّا يُتقبَّلَ منهم.
[📚 تفسير ابن كثير]
عن أم المؤمنِين عائِشة -رضِي الله عنها- قالت:
💬 "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (المؤمنون:60)، أَهُم الذين يَشْربون الْخَمْر وَيَسْرِقون؟
قال: ❌ لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ ✅ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ". [📜 أخرجه الترمذي وصححه الألباني (3175)]
🕌 قال المباركفوري: "أَيْ الذين يُعطون ما أعطوا مِن الصدقة وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة وقلوبهم وَجِلَةٌ أَيْ خَائِفَةٌ أَنْ لَا تُقْبْل مِنْهُم" [📖 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي]
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني عملاً أحب إلي من أن يكون لي ملء الأرض ذهبًا" ✨.
يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لأن أستيقن أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]" 🕌.
ومن ثم كان هدي المرسلين، إتقان العمل، وشدة الخوف من الرد، وعادتهم الإلحاح على الله بطلب القبول 🤲💖.
🏗️🕋 يبنيان أعظم بيوت الله ويطلبان القبول!
هذا إبراهيم الخليل وولده إسماعيل -عليهما السلام- يبنيان أعظم بيوت الله، في أعظم أرض الله وأحبها إليه، بأمر من الله، ويرفعان قواعد البيت، وهما يدعوان ربهما أن يتقبل منهما، قال تعالى:
📖 (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127].
كان وهيب ابن الورد يقرأ هذه الآية ويبكي 😢 ويقول:
"يا خليل الرحمن! ترفع قوائم البيت وأنت مشفق ألا يتقبل منك؟!"
🔹 وتدل على أهميَّة القَبول، وأنَّ المدار في الحقيقة عليه؛ وليس على مجرَّد العَمل. [📚 تفسير ابن عثيمين]
🤰 تهب ما في بطنها لله وتتمنى القبول!
وهذه امرأة عمران تهب ما في بطنها لله تعالى ولخدمة بيته بيت المقدس، وتدعو بالقبول، قال عز وجل:
📖 (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران:35]
أي: فتقبَّلْ منِّي يا ربِّ، ما نذرتُ لك، فإنَّك أنت السَّميعُ لقولي ودُعائي، المستجيبُ له، العليمُ بنيَّتي وقَصْدي.
🔹 وفيها الحثُّ على طردِ الإعجاب بالنَّفس، وتَرْك الإِدْلالِ على اللهِ بالأعمالِ [📚 تفسير ابن جرير- تفسير ابن عثيمين]
أعظم علامات القبول:
فكيف تعرفُ أن عملك قد قُبِل وأن الجُهد الذي قمت به في رمضان أتى ثمرته؟ 🍃✨
اعلم أنّ للقبول أمارات، فإذا تحققت فعليك أن تستبشر، والتي منها:
1️⃣ المداومة على فعل الخيرات، والاستقامة على القربات:
🔹 فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وسُئلت عائشة -رضي الله عنها- عن عمل النبي ﷺ فقالت: "كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً". [البخاري (1987) ومسلم (783)]
🌧️ "الدِّيمةُ" في الأصل: المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق، ثم استُعمل في غيره؛ شُبّه عمله ﷺ في دوامه مع الاقتصاد بدِيمة المطر.
📖 وفي الحديث:
أنَّ الطاعات وأعمال الخير مفتوحة في كل الأيام، ولا تختص بأيّام دون غيرها إلا ما خصّصه الشارع بمزيد الفضل.
وكان من هديه ﷺ أنه "إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَكانَ إذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً". [رواه مسلم (746)]
✅ أَثْبَتَهُ أي: أتقَنَه وأَحْكمَ عَملَه فيه وداوَمَ عليه.
☀️ وإذا كان هناك سببٌ مَنَعَه مِن قيامِ ليْلِه، يَقضي صَلاةَ اللَّيلِ بِالنَّهارِ، بدَلًا ممَّا فاته، وهذا دليل على مُداوَمتِه ﷺ ومُواظَبتِه عليها.
💡 وقد قال لعبد الله بن عمرو:
"لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ؛ كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ". [البخاري (1152) ومسلم (1159)]
📌 وفي هذا الحديث:
🔸 فضيلةُ الدَّوامِ على ما اعتادَهُ المرْءُ مِن الخيرِ.
🔸 التَّحذيرُ مِن قَطْعِ أعمالِ التَّطوُّعِ والنَّوافلِ.
🔸 الحثُّ على قِيامِ اللَّيلِ. 🌙✨
2️⃣- التوفيق للعبادات والطاعات والقربات ✨🙏
فإن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، كما قال ﷺ:
"عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا". 📖🕌
[أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607)]
وفيه أَمَرَ النبيُّ ﷺ بالصدق، وأَخبر أن الالتزام به يوصِل إلى العمل الصالح الدائم، والمواظب على فعل الخير يوصل صاحبه إلى الجنة 🏡🌿، ثم حذَّر ﷺ من الكذب وقول الباطل؛ لأنه يبعث على الميل عن الاستقامة، وإلى فعل الشر والفساد والمعاصي، ثم يوصله إلى النار 🔥.
قال ابن تيمية –رحمه الله-:
"إن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئةَ بعدها". [الصفدية] 📜✨
وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
"إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أَخَوَاتِهَا، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أَخَوَاتِهَا". [حلية الأولياء]
قال الحسن البصرى:
"إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: 'يا ابن آدم إن لم تكن فى زيادة فأنت فى نقصان'." 🕊️💫
3️⃣- أن يشعر العبد بلذة العبادة
وقد ذكر الله ذلك فقال: ✨(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)✨ [البقرة: 45].
أي: اطلبوا العونَ على جميع ما تُؤمِّلون من أمور الدُّنيا والآخِرة، وعلى تحمُّل المشاقِّ والمصائبِ بالصَّبر والصَّلاة، والصَّلاةُ ثقيلةٌ وذات مشقَّة على الأنفُس، لكنَّها سهلةٌ وخفيفةٌ على مَن خشَع، فخضَع لله تعالى واطمأنَّ إليه قلبُه، وظهرَ أثرُ ذلك الخشوعِ على جوارحهِ، وهؤلاءِ الخاشعون هم الموقِنون بعودتهم إلى الله تعالى، والحشرِ إليه يوم القِيامة. 📖 [تفسير السعدي]
وفي الحديث: 🕌 "وجُعِلَ قرةُ عيني في الصلاةِ" [أخرجه النسائي وصححه الألباني (3939)]
وهذا بيانٌ لعظيمِ محبَّتِه لها؛ وذلكَ لِما فيها مِن القُرْبِ مِن المولَى عزَّ وجلَّ؛ فلا شيءَ يُسعِدُه ويُدخِلُ عليه السُّرورَ بمِثْلِ ما تُدخِلُ عليه الصَّلاةُ؛ فقُرَّةُ العينِ يُعبَّرُ بها عنِ المَسرَّةِ ورؤيةِ ما يُحِبُّه الإنسانُ. 💖
4️⃣- عدم الرجوع إلى الذنب:
إذا كرِه العبد الذنوب وكرِه أن يعود إليها فليعلم أنه مقبول ✅، يقول ابن القيم -رحمه الله- 📜:
"إذا تذكر الذنبَ ففرح وتلذذ فلم يُقبل ولو مكث على ذلك أربعين سنة". [مدارج السالكين]
قال يحيى بن معاذ: 🗣️ "مَن استغفر بلسانه وقلبُه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول فى وجهه مسدود".
🛤️ فاستقيموا لله على طاعته، واشكروه على نعمته، وداوموا على عبادته.
🤲 اللهم اجعلنا من المقبولين الفائزين، ولا تجعلنا من الخائبين الخاسرين 🤍
شارك هذا المقال
