
لا يكاد يخلو إنسانٌ من شدائدَ ومِحَنٍ وضغوطاتٍ يمر بها في حياته؛ وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِی كَبَدٍ﴾ [البلد ٤]؛ أي: في مَشقَّةٍ وتَعَبٍ ومُكابَدةٍ لأُمورِ الدُّنيا والآخِرةِ، مِن أوَّلِ حياتِه إلى وقت مماته!
ولهذا؛ يسعى الإنسانُ دائمًا إلى طلب الطمأنينة والسكينة لقلبه، حتى يستطيع أن يواجه هذه الشدائدَ والمَشاقَّ التي يكابدها في حياته؛ لأنه إنْ لم يفعل وقع فريسةً سهلةً للأمراض البدنية والنفسية.
معنى السكينة وآياتها:
ونحن -في هذه الفائدة- نرشدُك إلى كنز ثمين في كتاب الله العزيز، هو من أرجى أسباب تنزُّل السكينة والطمأنينة على قلوب المؤمنين في حال اضطرابها وخوفها ونزول الشدائد بها، ألا وهي "آيات السكينة"!
والسكينة -كما يعرِّفها ابنُ القَيِّمِ- هي: "الطُّمَأنينةُ والوَقارُ والسُّكونُ، الذي يُنزِلُه اللهُ في قلبِ عبدِه عندَ اضطرابِه من شِدَّةِ المخاوفِ، فلا ينزَعِجُ بعد ذلك لِما يَرِدُ عليه، ويوجِبُ له زيادةَ الإيمانِ، وقوَّةَ اليقينِ، والثَّباتَ" [مدارج السالكين (2/503)].
وعرَّفها الشيخ السَّعديُّ في تفسيره بقوله: "السَّكينةُ ما يجعَلُه اللهُ في القلوبِ وقتَ القلاقِلِ والزَّلازِلِ والمُفظِعاتِ؛ ممَّا يُثَبِّتُها ويُسَكِّنُها ويجعَلُها مُطمَئِنَّةً، وهي مِن نِعَمِ اللهِ العظيمةِ على العبادِ" [تيسير الكريم الرحمن (ص 332)].
و"آيات السكينة" هي الآيات التي ذُكرت فيها كلمة "السكينة" في القرآن الكريم، وهي سِتَّةُ مَواضِعَ:
الأوَّلُ: قَولُه تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: 248] .
الثَّاني: قَولُه تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 26] .
الثَّالِثُ: قَولُه تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: 40] .
الرَّابعُ: قَولُه تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: 4] .
الخامِسُ: قَولُه تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18] .
السَّادِسُ: قَولُه تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: 26] .
تجربة علاجية نافعة:
يقول ابنُ القيم رحمة الله عليه، حاكيًا عن شيخِه:
«وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ: قَرَأَ آيَاتَ السَّكِينَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي وَاقِعَةٍ عَظِيمَةٍ جَرَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ، تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ حَمْلِهَا - مِنْ مُحَارَبَةِ أَرْوَاحٍ شَيْطَانِيَّةٍ، ظَهَرَتْ لَهُ إِذْ ذَاكَ فِي حَالِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ - قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ، قُلْتُ لِأَقَارِبِي وَمَنْ حَوْلِيَ: اقْرَءُوا آيَاتِ السَّكِينَةِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْلَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْحَالُ، وَجَلَسْتُ وَمَا بِي قَلْبَةٌ [أي: ما بي شَيءٌ]» [مدارج السالكين (2 / 470 - 471)].
فهذه تجربةُ عالمٍ كبيرٍ في مكانة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمةُ الله عليه-، تدلل على أن "آيات السكينة" نافعةٌ في مثل هذه الأحوال التي يضعف فيها القلبُ وتشتد فيها الاضطرابات والصعاب.
وقد جربها تلميذُه ابنُ القيم كذلك، ورأى لها تأثيرًا كبيرًا، كما يقول هو:
«وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا أَيْضًا قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ؛ فَرَأَيْتُ لَهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي سُكُونِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ» [المدارج (2 /471)].
ومِن بعدهما، جاء العالم اللغوي صاحب "القاموس المحيط" مجد الدين الفيروزآبادي (ت 817 هـ)، وأورد هذه الواقعة التي حكاها ابن القيم عن شيخه ابن تيمية، ولكن دون أن يسمِّيَ الشيخ باسمه، بل نسبها إلى "بعض المشايخ"، وبعد أن ساقها، قال: «وقد جرّبَتْها الأَكابرُ عند اضطراب القلب ممّا يَرِد عليه، فرأَوا لها تأْثيرًا عظيمًا فى سكونه وطمأْنينته» [بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (3/ 238)].
فـ"آيات السكينة" كنزٌ قرآني عظيم، يمدّ قلوبنا بالطمأنينة والثبات في أوقات الشدائد والصعوبات؛ فاجعلها رفيق دربك؛ لتنعم بقلبٍ ساكنٍ مطمئنٍ في مواجهة تحديات الحياة.
💬 هل جرّبت قراءة آيات السكينة؟ شاركنا تجربتك في التعليقات.
🤲هل تعرف شخصًا يمرّ بضيق؟ أهدِه هذا المقال.. لعلّه يجد فيه راحة وسلوى!