
هل خطر ببالك يومًا أن عبدًا مملوكًا قد يصبح من أعظم القرّاء والعلماء في الإسلام؟ هل تصدق أن رجلًا لا نسب له في قريش، أصبح من أوائل من أُمر الصحابة أن يأخذوا القرآن عنه؟
حديثنا اليوم عن سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، رجلٌ صعد سُلّم المجد بتقواه، وجعل من القرآن سلّمه للعلو، حتى صار يُعد من أئمة الدين، وشهد له النبيّ ﷺ بعظمة القدر وعلو المنزلة.
نشأته وإسلامه
كان سالم عبدًا فارسيًّا، أعتقه أبو حذيفة رضي الله عنه، فصار من مواليه، ولم يمنعه هذا من أن يتربى في مدرسة النبوّة، ويبلغ الذروة في العلم والعمل،
مصداقًا لقوله تعالى:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
وقد تعلّم القرآن، وأتقنه، حتى صار إمامًا يقدّمه الصحابة، مع وجود كبار كعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
مكانته في القرآن والعلم
من أروع ما قيل فيه: "خذوا القرآن من أربعة..." [رواه البخاري 3808]، وذكر منهم سالمًا رضي الله عنه.
فأيّ شرف هذا؟! أن يُذكر مع عبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل!
وقد كان عمر بن الخطاب يقول: "لو كان سالم حيًا ما جعلتها شورى" [رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/284]، أي لاختاره خليفة من بعده، لعظم شأنه.
بطولته واستشهاده
في معركة اليمامة، أبى سالم أن يُخذل القرآن، فحمل اللواء، وقال: "بئس حامل القرآن أنا إن أُتيتم من قبلي!"، فقاتل حتى قُتل.
وقد جاء في الحديث: "سالم مولى أبي حذيفة، شهيد يُباهي الله به الملائكة" [رواه الطبراني وصححه الهيثمي].
وفي هذا فضل عظيم، فالشهداء أحياء:
﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
فوائد ودروس من سيرته
-
التقوى والعلم هما معيار الرفعة في الإسلام لا النسب ولا المال.
-
القرآن طريق المجد في الدنيا والآخرة.
-
الشهادة منزلة عليا، يتمنّاها أهل الإيمان، قال النبي ﷺ: «وددتُ أن أُقتل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتل، ثم أُحيا، ثم أُقتل...» [رواه البخاري 2797].
قال الشاعر:
دمُ الشّهيدِ على الجبينِ وسامُهُ *** في الخالدينَ سَنا الفخارِ مقامُهُ
يحيا إذا ماتَ الجهادُ بروحهِ *** ويظلُّ في دنيا العُلا إلهامُهُ
رسالة معاصرة
في زمنٍ اختلطت فيه المقاييس، وتبدلت فيه المفاهيم، تبقى سيرة سالم رسالة خالدة لكل شاب مسلم:
لا تقل "من أنا؟" بل قل "ما الذي أحمله في قلبي؟"
ليس مهماً أن تكون ابن عائلة أو ذا نسب، المهم أن تحمل القرآن، أن تكون أمينًا على دينك، صادقًا في دعوتك، مجاهدًا في نفسك وأخلاقك.
سالم رضي الله عنه لم يكن أميرًا ولا غنيًا... لكنه صار إمامًا، شهيدًا، مباهىً به في الملأ الأعلى.
تأمل في حياة سالم رضي الله عنه، واسأل نفسك: ما الذي منحه تلك المنزلة؟ إنه الإخلاص، القرآن، العمل الصادق.
فلنحمل الراية من بعده، ولنجعل من قصته وقودًا للسير نحو الله... فمن أراد المجد، فليُقبل على القرآن، كما أقبل سالم.
رحم الله سالمًا، وأسكنه فسيح جناته، ورفع قدره، وألحقنا به في جنات النعيم