(وَلَيَالٍ عَشْرٍ): تأملات قرآنية في ضوء ذي الحجة

(وَلَيَالٍ عَشْرٍ): تأملات قرآنية في ضوء ذي الحجة
2025/05/29

افتتح الله تعالى سورة الفجر بقسم عظيم بأوقات مباركة، تدل على شرفها ورفعة قدرها. فأقسم بالفجر، وبعشر ليالٍ هي أفضل أيام الدنيا، إشارةً إلى عظيم ما يقع فيها من الطاعات والبركات.

قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر:1-3]

 

فجر مخصوص:

قال ابن القيم في تفسير قوله تعالى (وَالْفَجْرِ):

إن أريد بالفجر فجر مخصوص فهو فجر يوم النحر وليلته التي هي ليلة عرفة، فتلك الليلة من أفضل ليالي العام وما رؤي الشيطان في ليلة أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فيها.

وذلك الفجر فجر يوم النحر الذي هو أفضل الأيام عند الله كما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال "أفضل الأيام عند الله يوم النحر" [رواه أبو داود (1765). وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح].

وهو آخر أيام العشر وهو يوم الحج الأكبر وهو اليوم الذي أذن فيه مؤذن رسول الله ﷺ ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: 3] وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

 

قال أبو هريرة رضي الله عنه:

(بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ في تِلكَ الحَجَّةِ في مُؤَذِّنِينَ يَومَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بمِنًى: أنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بنُ عبدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أرْدَفَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا، فأمَرَهُ أنْ يُؤَذِّنَ ببَرَاءَةٌ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فأذَّنَ معنَا عَلِيٌّ في أهْلِ مِنًى يَومَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ ولَا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ) [أخرجه البخاري (369)، ومسلم (1347)]

 

ليال معلومة:

أما قوله تعالى (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) فهو قسم بعشر ذي الحجة.

ونقل ابن جرير إجماع الحجة من أهل التفسير على أنها عشر ذي الحجة.

قال ابن رجب في لطائف المعارف:

هذا الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم.

 

وجاء في إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم:

وهي ليال معلومة للسامعين، موصوفة بأنها عشر، واستغني عن تعريفها بتوصيفها بعشر، وإذ قد وصفت بهذا العدد تعين أنها عشر متتابعة.

 

ليال مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها:

قال الزمخشري في تفسيره:

وليال عشر جاءت (ليال) منكرة من بين ما أقسم به؛ لأنها ليال مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها، فالتنكير للتفخيم والتهويل. ولم تعرف بلام العهد، مع أنها ليال معلومة معهودة؛ لأن الليالي لو عرفت احتاجت -لما يراد من اختصاصها بالفضيلة- إلى مزيد انضمام قرينة خارجية، بخلاف التنكير؛ فإن دلالته على الفضيلة بنفسه؛ لأنه موضوع له مستقل به، ولأنها لو عرفت لم تتميز عن المذكورات فيما قصد منها، وانخرطت في سلكها.

 

تخصيص يومين بالذكر لمزيد من الاهتمام بهما:

قال ابن عاشور في تفسير قوله تعالى (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ):

الوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر، وهما صفتان لمحذوف -أي: اليوم؛ ذلك لأن يوم النحر عاشر ذي الحجة. ومناسبة الابتداء بالشفع أنه اليوم العاشر، فناسب قوله: وليال عشر، وعلى هذا التفسير فذكر الشفع والوتر تخصيص لهذين اليومين بالذكر للاهتمام، بعد شمول الليالي العشر لهما.

 

وجاء في لطائف المعارف لابن رجب:

وقد قيل في الشفع والوتر أقوال كثيرة، وأكثرها لا يخرج عن أن يكون العشر أو بعضه مشتملا على الشفع والوتر أو أحدهما.

 

وقال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن:

ذكر سبحانه من جملة هذه الأقسام الشفع والوتر؛ إذ هذه الشعائر المعظمة منها شفع ومنها وتر في الأمكنة والأزمنة والأعمال.

 

لماذا القسم بهذه الأزمنة؟

قال السعدي في تفسيره:

وفي أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده، ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة، وهذه أشياء معظمة، مستحقة لأن يقسم الله بها.

 

وقال ابن القيم:

والزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به.

 

وجاء في التحرير والتنوير لابن عاشور:

والقسم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعة قدرته فيما أوجد من نظام يظاهر بعضه بعضًا؛ من ذلك وقت الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار، ووقت الليل الذي تمحضت فيه الظلمة، وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادة الله وحده، مثل الليالي العشر.

 

وأخيرًا:

فهذه الأوقات التي أقسم الله بها، ما هي إلا شاهد على عظيم شأنها ورفيع منزلتها عند الله سبحانه، لما اشتملت عليه من مواسم الطاعة والعبادة. فجدير بالعبد أن يغتنمها، ويستكثر فيها من العمل الصالح، رجاءً لرضوان الله ومغفرته.

 

شاركنا تجربتك، وأخبرنا:

كيف تستعد للاستفادة القصوى من أيام عشر ذي الحجة في رفع حالتك الإيمانية؟
 

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة