
🔸هل جربت يومًا أن تُحسن إلى أحدهم خالصًا لوجه الله؟
أن تُسدي معروفًا، أو تمدّ يدًا، أو ترسم ابتسامة على وجه مكروب، دون انتظار مقابل؟
ثم وجدت بابًا من الخير يُفتح لك من حيث لا تحتسب…
تلك هي إحدى سنن الله الجارية في كونه، والتي لخّصها ربنا سبحانه في آية عظيمة تهزّ القلب وتوقظ الضمير:
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
🕊️ تأملات قرآنية في الآية الكريمة
في سورة الرحمن، وهي السورة التي تتردد فيها آية ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ لتوقظ القلوب من غفلتها وتذكّرها بعظمة النعم، تأتي هذه الآية العظيمة ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ في ختام مشهد من مشاهد وصف نعيم الجنة، لتقرر قاعدة إلهية راسخة: أن الإحسان لا يُقابل إلا بإحسان.
وقد قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسيرها:
"أي: ما الجزاء إلا أن يُجازى من أحسن بعمله في الدنيا، بالإحسان إليه في الآخرة."
وهذا يُفهم منه أن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، سواء كان الإحسان إلى الخَلق، أو الإحسان في عبادة الخالق.
ولذلك قال النبي ﷺ:
"إن الله كتب الإحسان على كل شيء"
رواه مسلم (1955)
أي أن الإحسان منهج حياة، في الذبح، في العمل، في التعامل، في القول، في الفعل، بل حتى في النظرة والنية.
🌍 الإحسان في حياتنا اليومية
في زمن كثر فيه الجفاء، يبقى الإحسان مفتاحًا لقلوبنا ومجتمعاتنا.
-
إحسان للغير: شاب يوزع قوارير ماء في الصيف ليروي عطش المارة، داعيًا الله أن يسقيه في الآخرة.
-
إحسان للنفس: تخصيص وقت للتأمل أو قراءة كتاب يغذي الروح.
الإحسان لا يحتاج ثروة، بل قلبًا حيًّا يشعر بالآخرين وبالنفس.
قال أحد السلف:
"جزاء الإحسان في الدنيا السكينة، وفي الآخرة الجنة."
🛠️ خطوات بسيطة لتطبيق الإحسان
-
ابدأ بالصغير: ابتسم لمن حولك، أو ساعد زميلًا في مهمة بسيطة.
-
تجاوز عن الإساءة: سامح من أخطأ بحقك، وستشعر بالراحة.
-
خصص وقتًا لنفسك: مارس رياضة خفيفة أو اقرأ آية وتأمل في معانيها.
-
أحسن في الخفاء: قدم معروفًا دون أن يعلم أحد، فالله يراك.
الإحسان.. أعلى مراتب الإيمان
الإحسان كما بيّنه النبي ﷺ في حديث جبريل المشهور:
"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك."
رواه البخاري (50) ومسلم (9)
وهو بذلك أعلى مراتب الدين بعد الإسلام والإيمان
فمن كان محسنا في عبادة ربه، وخلقه، وسريرته، جازاه الله من جنس عمله، وكان له الجزاء الأوفى.
قال الشاعر:
إذا لم تَزِد في الأرضِ شيئًا يُفِيدُها
فكنتَ عليها زائداً لا مُفيدا
🧭 الإحسان في زمن الجفاف القلبي
في زمان كثر فيه الجفاء، وسادت فيه المصالح، وأصبح الناس لا يتحركون إلا لشيءٍ يعود عليهم، يبرز جمال هذه الآية أكثر من أي وقت مضى.
نحتاج أن نُحسن في الخفاء، نُطعم جائعًا، نكسو فقيرًا، نصل رحمًا، نُربّت على يتيم…
فما أعظم أن تُحسن والناس لا يعلمون، ويعلم الله فقط.
أحد الشباب كان يُعدّ قوارير ماء ويضعها في الطرقات في عزّ الصيف، ثم يقول:
"كل رشفة ماء يشربها أحدهم، أدعو الله أن يُسقيني منها في ظمأ الآخرة."
الإحسان لا يحتاج ثراء، بل يحتاج قلبًا حيًّا، يشعر بالآخرين.
فلنتساءل بصدق: كم موقفًا هذا الأسبوع كنا فيه مُحسنين حقًّا؟
كم مرة تجاوزنا عن إساءة؟
كم مرة قدمنا خيرًا دون انتظار الشكر؟
إنها لحظة محاسبة قلبية…
وتذكّر دائمًا:
أنك حين تُحسن، فإنك تكتب اسمك في سجلّ خاص عند الله…
سجلّ لا يضيع، ولا يُنسى، بل تُجزى عليه بفضل الكريم:
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
اللهم اجعلنا من المحسنين في القول والعمل، واجعل جزاء إحساننا رضاك وجنّتك، واملأ قلوبنا رحمة ولينًا، واهدنا لما تحب وترضى.