هل العفو والتسامح محمودٌ دائما؟!🧐

هل العفو والتسامح محمودٌ دائما؟!🧐
2025/05/12

ظلم الغير والاعتداء عليه أو الإساءة إليه من أقبح الصفات، وهي من أعظم صور التعدي على حقوق الآخرين، وأشدِّها إيذاءً؛ إذ تورث في النفس ألواناً من الألم والحقد والضغينة؛ ولذلك فقد حرَّمها الله عز وجل، بل وجعلها من كبائر الذنوب، تنفيرا منها وحرصًا على نبذها وتطهير المجتمع المسلم منها.

بين العدل والفضل والظلم!⚖️

لكنَّ الإسلام ليس دين ضعف وذلة، ولا يرضى ذلك للمؤمنين؛ ولذلك أباح لهم الانتصار لأنفسهم إذا هم ظُلموا ﴿وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا عَلَیۡهِم مِّن سَبِیلٍ﴾ [الشورى ٤١]، وشرع لهم ردَّ الاعتداء والإساءة بمثلها دون زيادةٍ؛ قال تعالى:

﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ﴾ [البقرة ١٩٤].

﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ﴾ [النحل ١٢٦]

﴿وَجَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [الشورى ٤٠].

وكذا قضى النبي ﷺ في قصة اليهودي الذي رضَّ [دقَّ]  رأسَ جاريةٍ بيْنَ حَجَرينِ؛ حيث أَمَر به النَّبيُّ ﷺ، فرُضَّ رأسُه بيْن حَجَرينِ. [البخاري (2413)، ومسلم (1672)].

وهذه إحدى ثلاث مراتب للعقوبات اشتمل عليها قولُ الله عز وجل: ﴿وَجَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾، وهي مرتبة العدل: (وَجَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ) لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يُضمَن بمثله.

والمرتبة الثانية هي مرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال الله: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أي: فمَن عفا عمَّن أساء إليه إساءتَه إليه، فغَفَرَها له ولم يعاقِبْه بها، وهو على عقوبتِه عليها قادِرٌ؛ ابتغاءَ وَجهِ اللَّه، فأجرُ عَفوِه ذلك على اللَّهِ، واللَّهُ مُثيبُه عليه ثوابَه. [تفسير الطبري].

قال السَّعديُّ: (وفي جَعلِ أجرِ العافي على اللَّهِ ما يُهَيِّجُ على العَفْوِ، وأن يعامِلَ العبدُ الخَلقَ بما يحِبُّ أن يعامِلَه اللَّهُ به، فكما يحِبُّ أن يعفوَ اللَّهُ عنه فلْيَعْفُ عنهم، وكما يحِبُّ أن يسامِحَه اللَّهُ فلْيُسامِحْهم؛ فإنَّ الجزاءَ من جِنسِ العَمَلِ).

أما المرتبة الثالثة فهي مرتبة الظلم المشار إليها بختام الآية: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ الَّذين يَعتَدونَ على النَّاسِ فيَظلِمونَهم ابتِداءً، أو يُجاوِزونَ الحَدَّ في الاقتِصاصِ مِمَّن ظَلَمَهم؛ فالزيادة ظلم.

العفو مشروط بالإصلاح!💡

ومما ينبغي أن ينتبه هنا أن العفو عن المسيء ليس محمودًا على الإطلاق؛ لأن الله عز وجل إنما رغّب في العفو المقترن بالإصلاح؛ فقال جل ثناؤه: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾. فمن جاء بالعفو دون الإصلاح فلم يأتِ بالعفو الذي أمر الله به، ولم يقع حينئذٍ أجرُه على الله!

قال السعدي:

"شرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به".

العفو المذموم!🚫

فلو أن رجلا مجرمًا شريرًا اعتدى على آخر، هل نقول للمجني عليه: اعفُ عنه وأجرك على الله؟!.. وهل الأفضل هنا أن يعفو عنه أم يقتص منه؟!.. نقول: إذا كان هذا المجرم سيستغل العفو والتسامح للتمادي في إجرامه وفساده فالأفضل عدم العفو عنه. قال ابن عثيمين:

"إذا كان العفو سببًا للزيادة في الطغيان، كان العفو مذمومًا، وربما يكون ممنوعًا" [شرح العقيدة الواسطية(1/ 340)].

ومن العفو المذموم أيضًا: العَفْوُ لغيرِ القادِرِ على الانتقامِ، فيعفو ذُلًّا ومهانةً وعَجزًا، فمِثلُ هذا لا يُمدَحُ فاعِلُه. يقول إبراهيمُ النَّخَعيُّ -رحمه الله-: "كانوا يَكرَهون للمُؤمِنين أن يَستَذِلُّوا، وكانوا إذا قَدروا عَفَوا". [أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (18983)]. فالعفو إنما يكون أتمَّ وأكملَ إذا وقع بعد القدرة على الانتقام.

وهكذا؛ نخلص إلى أنه إذا وقع العفو مقرونًا بالإصلاح، ولم يكن عن عجزٍ ومهانةٍ، كان أجرُ صاحبه على الله في الآخرة، وساد وعَظُم في القُلوبِ وزاد عِزُّه في الدنيا، وكذا يكون جاهُه وعزُّه في الآخرة أكثر، كما قال النبيُّ ﷺ: «وما زاد اللهُ عَبدًا بعَفوٍ إلَّا عِزًّا» [رواه مسلم (2588)].

هل سبق أن سامحتَ مَن أساء إليك؟ كيف كان الأثر؟🤔 .. ننتظر قصتك💬

ساعد في نشر هذا الفهم العميق للآية.. وادعُ غيرك للتأمل والمشاركة!🔄📜

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة