
وقتُ صلاة الجمعة، وقت عظيم شريف شُرعت فيه شعائر مخصوصة ونُهِيَ فيه عن الانشغال بأمور الدنيا، ومن أكثر الأمور التي تغيب أحكامُها عن كثير من المسلمين، مسألة البيع والشراء وقت الخطبة والصلاة، ولهذا قمنا بتوضيح أهم أحكامها في هذه الفائدة بصيغة سؤال وجواب.
ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة؟
يَحرُمُ البيعُ بعدَ النِّداءِ (الأذان) للجُمُعةِ؛ لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة: 9]
ولَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مُحَرَّمٌ للأمر الوارد في الآية (وَذَرُوا البَيْعَ) أي: اترُكوه، والأمرُ للوجوبِ؛ فيحرُمُ الفِعلُ. ونقَل الإجماعَ على ذلك: إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ، وابنُ حزمٍ، وابنُ رشد.
متى يبدأ وقت النهي؟ .. ومتى ينتهي؟
يرى جمهورُ العلماء أن التحريم متعلِّقٌ بالأذان الثاني، الذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر؛ فعنده يبدأ وقتُ النهي على الصحيح؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أذانٌ واحدٌ للجمعة، وهو الذي يكون بعد أن يجلس الإمام على المنبر؛ فيتعين أن يكون هذا الأذانُ هو المرادَ في الآية حين نزلتْ.
فإذا كان للجمعة -في بلدتك- أذانانِ؛ فإنه يَجوزُ البَيْعُ بَعْدَ النِّداءِ الأوَّلِ، وهو مَذْهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ.
ويمتد النهيُ لحين انقضاء الخطبة والصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِیَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [الجمعة ١٠].
هل يشملُ النهيُ عن البيع جميعَ الناس أم يختصُّ بالرجال فقط؟
تحريم البيع يختص بالمخاطبين بالجمعة أو مَن تجب عليهم الجمعة: (كل رجلٍ حرٍّ بالغٍ مقيمٍ غيرِ معذورٍ)، أما غيرُهم من النساء والصبيان والمسافرين والمرضى والعبيد فيصح بيعُ بعضِهم لبعضٍ وقت صلاة الجمعة وخطبتها، على أن يكون كلٌّ من البائع والمشتري ممن لا تجب عليه صلاة الجمعة، ولا يبعْ إلى مَن يلزمه السعيُ لصلاة الجمعة.
إذا تبايع شخصانِ أحدُهما تلزمه الجمعة والآخر لا تلزمه.. فما الحكم؟
إذا وجبت الجمعة على أحد المتبايعيْنِ دون الآخر، فإنَّ مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية أن كليهما آثمٌ؛ لأن الذي وجبت عليه قد خالف الأمر الشرعي بترك البيع، والذي لم تجب عليه قد شاركه في الإثم لإعانته على المعصية، فيكون مؤاخذًا بها من جهة التعاون على الإثم والعدوان؛ والله عز وجل يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِۚ﴾ [المائدة ٢]
هل تصح المعاملة (البيع أو الشراء) إذا تمتْ وقتَ النهي.. أم تكون باطلة؟
ذهب الحنفية والشافعية، وهو قولٌ عند المالكية وروايةٌ في مذهب الحنابلة، إلى صحة عقد البيع وقت النهي يوم الجمعة، رغم أنه محرَّم في هذا الوقت. وعللوا ذلك بأن النهي الوارد في النص لا يتعلّق بذات البيع، وإنما بوقته، فلا يؤثر على صحة العقد، كما أن النهي لا يقتضي فساد العقد، كالصلاة في أرض مغصوبة: تكون صحيحة مع الإثم.
هل النهيُ يشمل سائرَ العقود أم يختص بعقود البيع فقط؟
يرى جمهور الفقهاء أن النهي يشمل البيع، والنكاح، وسائر العقود التي قد تشغل المسلم عن السعي إلى صلاة الجمعة، وقد نص الحنفية على وجوب ترك كلِّ ما يؤدي إلى الاشتغال عن الجمعة أو يخلّ بها. وعليه؛ فحكم التحريم ينسحب على مهنة الحلاقة وخدمات التوصيل (الدليفري) والمخابز … ونحوها، إذا وقعت ممن تلزمه صلاة الجمعة.
أما الحنابلة، فيرون أن النهي خاصٌّ بعقد البيع والشراء فقط، فيحرُم ويُعدّ غير صحيح إذا وقع بعد بدء الأذان الثاني، بينما تصحُّ العقود الأخرى كالنكاح، والإجارة، والصلح، والقرض، والرهن، ونحوها؛ لأن النهي في الآية ورد عن البيع دون غيره، ولا يُلحق به ما ليس في معناه. [راجع: الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 226)].
ما حكم من اضطر للشراء وقت صلاة الجمعة لحاجة ضرورية؟
إن كانت الحاجة ضروريةً عاجلةً ولا يمكن تأجيلها؛ كشراء ماءٍ للطهارة أو ثوبٍ يستر به عورته للصلاة؛ فليس عليه إثمٌ إن شاء الله، أما إن كانت الحاجة غير ملحة، فلا يجوز.
هل يشمل النهيُ البيعَ عبر الإنترنت أو تطبيقات الهاتف (التجارة الرقمية)؟
لا يختص التحريمُ وقتَ الجمعة بالبيع المباشر فقط، بل يشمل كذلك التجارة الإلكترونية أو الرقمية؛ لأن الانشغال بها سيفوّت عليه السعي إلى الجمعة؛ مثلها في ذلك مثل البيع المباشر.
هل يجوز لصاحب المحل أن يُبقيَ محله مفتوحاً وقتَ صلاة الجمعة؟
إذا كان صاحبُ المحل ممن لا يلزمهم السعيُ لصلاة الجمعة، وهم: المرأة، والعبد، والمسافر، والمريض، والصبي الذي لم يبلغ؛ فهؤلاء يصحُّ بيع بعضهم لبعض وقت صلاة الجمعة وخطبتها، على أن يكون كلٌّ مِن البائع والمشتري ممن لا تجب عليه صلاة الجمعة، ولا يبعْ إلى مَن يلزمه السعيُ لصلاة الجمعة.
وإن كان صاحبُ المحل تلزمه الجمعة، وترك محله مفتوحًا واستخلف فيه واحدًا ممن لا يلزمُه الجمعة؛ فالأمر كما سبق بالضوابط السالفة أيضًا.
👍 لا تنسَ ترك تعليقك أو سؤالك، وسنكون سعداء بالتفاعل معك 🤝
🔁 انشر المقال في مجموعاتك ومنصاتك؛ فالدال على الخير كفاعله 📣