
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿عَمَّ یَتَسَاۤءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِیمِ ٢ ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ مُخۡتَلِفُونَ ٣﴾ [النبأ ١-٣]
هذه السورة لها خمسة أسماء: «سُورَةُ النَّبَأِ»، و«سُورَةُ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ»، و«سُورَةُ عَمَّ»، و«سُورَةُ التَّسَاؤُلِ»، و«سُورَةُ الْمُعْصِرَاتِ» [تفسير ابن عاشور].
وسُميت بـ«سُورَةَ التَّسَاؤُلِ» لِوُقُوعِ «يَتَسَاءَلُونَ» فِي أَوَّلِهَا. ولا شك أن لافتتاح السورة بهذا التساؤل سرًّا سنحاول اكتشافه في هذه السطور.
سبب النزول:
قال المفسرون: لما بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَعَلَ المشركون يتساءلون بينهم، فيقولون: ما الذي أتى به؟ ويتجادلون، ويختصمون فيما بعث به، فنزلت هذه الآية.[زاد المسير في علم التفسير (4/ 387)].
وعن الحسن البصري، قال: لما بُعثِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم جعَلوا يتساءلون بينَهم، فأنزَل اللهُ: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ}.[تفسير الطبري].
وقال مقاتل بن سليمان: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ} نزلت في أبي لبابة وأصحابه، وذلك أنّ كفار مكة كانوا يجتمعون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَسمعون حديثه، فإذا حَدَّثهم خالفوا قوله، واستهزؤوا منه، وسخروا؛ فأنزل الله تعالى: {أنْ إذا سَمِعْتُمْ} يا محمد {آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140]. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَدِّث المؤمنين، فإذا رأى رجلًا مِن المشركين كفَّ عن الحديث حتى يَذهب، ثم أقبلوا بجماعتهم، فقالوا: يا محمد، أبخلتَ بما كنتَ تُحدِّثنا؟ لو أنك حَدّثتنا عن القرون الأولى فإنّ حديثك عجبٌ. قال: «لا، واللهِ، لا أُحدِّثكم بعد يومي هذا، وربي قد نهاني عنه». فأنزل الله تعالى: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ}. [تفسير مقاتل بن سليمان]
تفسير الآيات:
﴿عَمَّ یَتَسَاۤءَلُونَ﴾ [النبأ ١]
يقولُ تعالى ذكرُه: عن أيِّ شيءٍ يتساءلُ هؤلاء المشرِكون باللهِ ورسولِه من قريشٍ يا محمدُ؟ وقيل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشًا جعَلت - فيما ذُكِر عنها - تَخْتَصِمُ وتتجادلُ في الذي دعاهم إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ من الإقرارِ بنبوَّتِه، والتصديقِ بما جاء به من عندِ اللهِ، والإيمانِ بالبعثِ، فقال اللهُ لنبيِّه: فيم يتساءلُ هؤلاء القومُ ويَخْتَصِمون؟ [تفسير الطبري].
﴿عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [النبأ ٢]
ثم أخبرَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن الذي يَتَساءلونه، فقال: يَتَساءلون {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}، أي: الخبر العظيم المهم الذي يجب الاستماع إليه لما فيه من الفائدة.
واختلفوا في المقصود بـ "النَّبَإِ الْعَظِيمِ" على ثلاثة أقوال:
الأول: هو: القرآن، وهو مرويٌّ عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، ومجاهد بن جبر، ومقاتل بن سليمان والفراء.
قال مقاتل بن سليمان: {عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ} يعني: القرآن، كقوله: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ}؛ لأنه كلام الله تعالى.
الثاني: هو: البعث بعد الموت، أو يوم القيامة، وهو مروي عن قتادة بن دعامة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
فعن ابنِ زيدٍ في قولِه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. قال: يومِ القيامةِ. قال: قالوا: هذا اليومُ الذي تَزْعُمون أنَّا نحيَا فيه وآباؤُنا. قال: فهم فيه مختلِفون، لا يؤمِنون به، فقال اللهُ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [سورة ص]. يومُ القيامةِ لا يُؤمِنون به. [تفسير الطبري].
ورجّح ابنُ كثير في تفسيره هذا القول؛ لقوله: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} يعني: الناس فيه على قولين: مؤمن به وكافر.
الثالث: أنه أَمْرُ النَّبِيّ ﷺ، حكاه الزّجّاج.
لماذا جاء الاستفهام في بداية السورة؟
من أجمل ما قيل في سبب افتتاح سورة النبأ بهذا التساؤل، ما سطره ابنُ عاشور في تفسيره، قال: "افْتِتاحُ الكَلامِ بِالِاسْتِفْهامِ عَنْ تَساؤُلِ جَماعَةٍ عَنْ نَبَأٍ عَظِيمٍ افْتِتاحُ تَشْوِيقٍ ثُمَّ تَهْوِيلٍ لِما سَيُذْكَرُ بَعْدَهُ، فَهو مِنَ الفَواتِحِ البَدِيعَةِ لِما فِيها مِن أُسْلُوبٍ عَزِيزٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ، ومِن تَشْوِيقٍ بِطَرِيقَةِ الإجْمالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ المُحَصِّلَةِ لِتَمَكُّنِ الخَبَرِ الآتِي بَعْدَهُ في نَفْسِ السّامِعِ أكْمَلَ تَمَكُّنٍ.
وإذا كانَ هَذا الِافْتِتاحُ مُؤْذِنًا بِعَظِيمِ أمْرٍ كانَ مُؤْذِنًا بِالتَّصَدِّي لِقَوْلٍ فَصْلٍ فِيهِ، ولَمّا كانَ في ذَلِكَ إشْعارٌ بِأهَمِّ ما فِيهِ خَوْضُهم يَوْمَئِذٍ يُجْعَلُ افْتِتاحَ الكَلامِ بِهِ مِن بَراعَةِ الِاسْتِهْلالِ".[التحرير والتنوير].
وقال الشوكاني: "ذَكَرَ سُبْحَانَهُ تَسَاؤُلَهُمْ عَنْ مَاذَا وَبَيَّنَهُ؛ فَقَالَ: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ فَأَوْرَدَهُ سُبْحَانَهُ أَوَّلًا عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ، مُبْهَمًا لِتَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَذْهَانُهُمْ، وَتَلْتَفِتَ إِلَيْهِ أَفْهَامُهُمْ، ثُمَّ بَيَّنَهُ بِمَا يُفِيدُ تَعْظِيمَهُ وَتَفْخِيمَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَسَاءَلُونَ هَلْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ؟ ثُمَّ قِيلَ: بِطَرِيقِ الْجَوَابِ: «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ» عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِهِ: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). [فتح القدير].
ختامًا، يظل التساؤل في مطلع سورة النبأ أسلوبًا قرآنيًا بديعًا يلفت الانتباه ويمهد للحقائق العظيمة التي يتناولها. فما رأيك في دلالة هذا الاستفهام العميق؟ وكيف ترى تأثيره في سياق السورة؟🤔
شاركنا رأيك في التعليقات! ✍️💬