
هل رفعت يديك يومًا إلى السماء، تبكي وتتوسل، ثم وجدت أن شيئًا لم يتغير؟
هل قلت في قلبك: "لماذا لا يُستجاب لي؟ أليس الله القائل: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]؟"
قبل أن تُصاب بالإحباط، تعال نتأمل سويًا: هل دعاؤك يجد طريقه إلى السماء، أم أن هناك ما يحجبه؟ تعال معي فلنبحر سويا في هذه الفائدة
ما الذي يمنع الدعاء من الصعود؟
قال رسول الله ﷺ: "يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6/226) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/167): رجاله رجال الصحيح.
☚ الحديث واضحٌ وصريح: طهارة المطعم مدخل لقبول الدعاء.
وقد جاء رجل إلى النبي ﷺ يسأله أن يكون مستجاب الدعوة، فلم يقل له: أطل الدعاء أو ارفع يديك، بل قال: "أطب مطعمك"!
قال سفيان الثوري: "إذا أردت أن يُستجاب دعاؤك، فانظر في مالك.. فإن كان حلالًا، استجبتَ."
في الحديث الصحيح، قال ﷺ:
"ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟"
رواه مسلم (1015)
هذا رجل في سفر – والسفر من مظان استجابة الدعاء –
في حال من التذلل والانكسار – وهي من أسباب القبول –
لكنّه أُتي من مأكله ومشربه!
فهل نظرت يومًا في مالك؟ هل سألت نفسك: أهو حلال؟
رغم توفر كل أسباب استجابة الدعاء – سفر، رفع يدين، تذلل –
إلا أن الحرام قطع الصلة بينه وبين السماء.
⇦ هنا الرسالة: ليس كل دعاء مرفوع يُستجاب، بل هناك بوابة لا تُفتح إلا بالطهر!
قال سفيان الثوري: "إن أردت أن يُستجاب لك، فأطِب مطعمك، فما دخل الجوف من حرام، سدّ باب السماء."
كيف تهيئ دعاءك للصعود؟
☑️ طهّر قلبك من الحقد والغل
قال ﷺ: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي"
رواه البخاري (6340)، ومسلم (2735)
☑️ كن مُوقنًا بالإجابة
قال ﷺ: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"
رواه الترمذي (3479) وصححه الألباني
☑️ ألحّ بالدعاء ولا تمل
قال ابن الجوزي: "رُبّ دعوة رُفعت، فبقيت بين السماء والأرض سنين، حتى وافقت ساعة إجابة."
☑️ اجعل قلبك حاضرًا
قال ﷺ: "اعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ"
رواه الترمذي (3479)
☑️اغتنم أوقات الاستجابة
يوم الجمعة: قال ﷺ:
"فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه"
رواه البخاري (5295) ومسلم (852)
وقال ابن القيم:
"أرجح الأقوال أنها آخر ساعة من عصر الجمعة."
بين الأذان والإقامة:
قال ﷺ:
"الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة"
رواه أبو داود (521) والترمذي (212)، وصححه الألباني
☑️أطِب مطعمك، و راجع مالك.
☑️ تأدب بآداب الدعاء: الثناء، الصلاة على النبي ﷺ، وختم الدعاء بحمد الله.
تأخير الإجابة.. لحكمة لا تراها الآن
قال ﷺ:
"ما من عبدٍ يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمّا أن تُعجّل له، أو يُدّخرها له في الآخرة، أو يُصرف عنه من السوء مثلها."
رواه أحمد (11133) وصححه الألباني
⇦ فقد لا ترى الإجابة، لكنها وصلت وادّخرت، أو صرفت عنك بلاء أعظم!
رسالة معاصرة ✉️
في زمن طغت فيه المادة، وتزاحم الناس على المال دون سؤال عن مصدره،
أصبح من الطبيعي أن يشتكي الناس: "دعونا فلم يُستجب لنا!"
لكن النبي ﷺ قد اختصر الطريق وقال:
"أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة."
✦ فتفقد مالك، وراجع معاملاتك، هل فيها ربا؟ غش؟ رشوة؟
✦ واحرص على كسب الحلال، فهو زاد الدعاء، وسبب البركة، وأصل الطمأنينة.
ومضة شعرية 📜
دعِ الدموعَ على الخدودِ تفيضُها - لكن حلالَ المالِ لا تنساهُ
فالمالُ مفتاحُ الدعاءِ وإنهُ - بابٌ، ومن حُجبَ الحلالُ، أغلقاهُ
لا يكفي أخي الكريم أن نرفع أيدينا، بل علينا أن نُهيّئ القلب، ونُطهِّر المال، ونصدق في الدعاء.
فمن كان يريد أن يسمو دعاؤه، فليُطِب مطعمه، ولينقِّ قلبه، وليُحسن ظنّه بالله.
فيا من دعوت، لا تيأس.. ويامن لجأت، لا تمل..
فإن الله أرحم من أن يرد قلبًا صادقًا خاشعًا، قد طرق بابه.
فالسماء مفتوحة، لكن هل مفتاحها معك؟
سؤال لا بد أن تسأله لنفسك: هل دعائي يُستجاب؟
✔️ فإن كنت صادقًا، متوكلًا، طاهر المطعم والقلب.. فابشر
✘ وإن كنت متهاونًا في المال، غافلًا عن آداب الدعاء، فلا تلم إلا نفسك.
فيا من رفعت يديك، راجع قلبك وجيبك، وقل: يارب.. أطبتُ مطعمي، فافتح لي باب السماء.
وإن طال الطريق، فثق أن باب الله لا يُغلق دون عبد صدق.
فمن أراد أن يسمع الله له، فليسمع اللهُ منه صدق التوبة والطهارة.
اللهم اجعلنا من عبادك المقبولين، ودعواتنا من الدعوات المرفوعة،
ولا تحجب عنا باب السماء، يا أرحم الراحمين.
شاركنا برأيك في التعليقات ما هو أكثر شئ ترجوه من الله وتدعو به دائما؟