
يصف اللهُ -تعالى- النفسَ البشرية في القرآن الكريم بثلاثة أوصاف رئيسة، تُعبر عن حالاتها وتوجهاتها المختلفة:
1- النفس المطمئنة 💖
وهي أسمى مراتب النفوس، حيث تمتلئ بالرضا واليقين، وتحب الخير وتفعله، وتبغض الشر وتتجنبه. قد اطمأنت إلى ربها وقضائه وشرعه وثوابه، حتى أصبحت راضية بما قدره الله لها، ومرضية عنده، كما ورد في قوله تعالى:
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30].
2- النفس الأمّارة بالسوء⚠️
هي التي تدفع صاحبها نحو المعصية والشر، وتزين له مخالفة أوامر الله، فهي مأوى الفجور ومنبع الأخلاق الذميمة، كما أشار القرآن إلى ذلك:
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِيۤ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوۤءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} \[يوسف: 53].
والآية تشير إلى أن النفس لا تخرج من هذا الوصف (أمارة بالسوء) إلا بفضلٍ ورحمةٍ وهدايةٍ من الله، فإذا منّ الله على العبد بالعلم النافع وسلوك طريق العدل، ارتقت نفسُه وصارت نفسًا مطمئنة.
3- النفس اللوّامة 🔁
وهي النفس التي تندم وتعاتب صاحبها بعد تقصيره أو ارتكابه للمعاصي، فتلومه على ترك الخير أو فعل الشر، فهي ضمير حي يحاسب ويقوّم، وتمثل قوة المراجعة الذاتية والتوازن الفطري في الإنسان.
والله عز وجل أقسم بها لعِظم شأنها: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2].
جهاد النفس بين «قُم» و«نَمْ»!💡
ولنضرب مثَلاً تتجلى فيها هذه الأوصاف الثلاثة للنفس، وهو مثلٌ قريب ربما مررت به في إحدى ليالي الشتاء الباردة، حين كنت تجاهد نفسك أن تقوم لصلاة الفجر؛ فأنت في ذلك الوقت تجاهد نفسك بين نازعيْن: أحدهما يقول لك: «قُم» للصلاة ولا تضيع هذا الخير من بين يديك، والآخر يقول لك: «نَـمْ» فالجو برد والفراش دافئ، ثم أنت متعبٌ وتحتاج للاستيقاظ مبكرًا لعملك … وربما أردت أن تقوم متحفزًا بإحدى نداءات «قُم»، فيأتيك الصوت الآخر متلحفًا بدفء الفراش ولذة النوم: «نَـمْ» … وهكذا تظل بين هذين النداءين حتى يغلبَ أحدُهما الآخر؛ فإما قمت على وقع تنبيهات «قُم»، أو سحبتك «نَـمْ» في نوم عميق!
فإذا أنت غلبك النومُ واستيقظتَ بعد خروج وقت الفجر، فبعضُ الناس يجد من نفسه صوتًا ثالثًا يلومُه على تضييع الفريضة والنوم عن الصلاة؛ فيجد في قلبه حسرةً وندمًا على ما فاته من الخير والأجر.
-
فالصوت الذي دعاك للقيام إلى الصلاة هو: "النفس المطمئنة".
-
والصوت الذي زين لك النوم والراحة هو: "النفس الأمّارة بالسوء".
-
أما الصوت الثالث الذي لامَك وأشعرك بالندم؛ فهو: "النفس اللوّامة".
المجاهدة هي الحلّ💪
فعلى المسلم أن يسعَى في إصلاحِ نَفسِه، وإخراجِها مِن هذا الوصفِ المذمومِ، وهو أنَّها أمَّارةٌ بالسُّوءِ، وذلك بالاجتهادِ، وتخَلُّقِها بأحسَنِ الأخلاقِ. وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال:
"وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ"[بعض حديث أخرجه أحمد (23958)، وابن حبان (4862)، وصححه الألباني]
ومعنى ذلك أن المُجاهِد ليس مَن قاتَلَ الكُفَّارَ فقطْ، بلِ المُجاهِدُ مَن حارَبَ نفْسَه وحمَلَها على طاعةِ اللهِ تعالى؛ لأنَّ نفْسَ الرَّجلِ أشَدُّ عَداوةً معه مِن الكُفَّارِ؛ لأنَّ الكُفَّارَ بَعيدونَ منه، وأمَّا نفْسُه فتُلازِمُه، وتَمنَعُه مِن الخيرِ والطَّاعةِ.
وخير ما يُستعان به على مجاهدة النفس الأمارة بالسوء صدقُ اللجأ إلى الله تعالى وسؤاله أن يقيَه شرَّ نفسه، كما كان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يقول في خطبه: «ونعوذُ باللَّهِ من شُرورِ أنفسِنا و سيِّئاتِ أعمالِنا». ويقول أيضًا في دعائه:
«اهدِني لأحسَنِ الأخلاقِ؛ لا يَهدي لأحسَنِها إلَّا أنت، واصرِفْ عنِّي سَيِّئَها؛ لا يصرِفُ عني سَيِّئَها إلَّا أنت» [رواه مسلم (771)].
✍️ أيهما أكثر حضورًا في حياتك؟ النفس اللوامة أم الأمّارة أم المطمئنة؟ ننتظر رأيك 💬
📣 تجربتك تهمنا!.. أخبرنا: ما الوسائل التي تستخدمها لمجاهدة نفسك؟🤔