لماذا شبّه الله حركة الجبال بالسحاب؟ السر العلمي في هذا التشبيه المذهل

تتجلى في آيات القرآن الكريم معانٍ علمية دقيقة سبقت اكتشافات البشر بقرون، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88]، إذ تكشف هذه الآية عن إعجاز علمي بالغ في تصوير حركة الأرض.

معجزة يدركها أهل العلم:

فهذه الآية من العلم الذي أودع في القرآن ليكون معجزة من الجانب العلمي يدركها أهل المعرفة، كما كان معجزة للبلغاء من جانبه النظمي، فإن الناس كانوا يحسبون أن الشمس تدور حول الأرض فينشأ من دورانها نظام الليل والنهار، ويحسبون الأرض ساكنة.

واهتدى بعض علماء اليونان أن الأرض هي التي تدور حول الشمس في كل يوم وليلة دورة تتكون منها ظلمة نصف الكرة الأرضية تقريبًا وضياء النصف الآخر وذلك ما يعبر عنه بالليل والنهار،...، وما تحققت هذه النظرية إلا في القرن السابع عشر بواسطة الرياضي غاليلي الإيطالي.

دلالة تحرك الأرض بتحرك الجبال منها:

والقرآن يدمج في ضمن دلائله الجمة وعقب دليل تكوين النور والظلمة دليلاً رمز إليه رمزًا، حيث ناط دلالة تحرك الأرض بتحرك الجبال منها؛ لأن الجبال هي الأجزاء الناتئة من الكرة الأرضية فظهور تحرك ظلالها متناقصة قبل الزوال إلى منتهى نقصها، ثم آخذة في الزيادة بعد الزوال، ومشاهدة تحرك تلك الظلال أشد وضوحًا للراصد.

الاعتبار بحالة نظامها المألوف:

﴿وَتَرَى الْجِبَالَ﴾ المقتضي أن الرائي يراها في هيئة الساكنة، وقوله ﴿تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ إذ هذا التأويل بمعنى الجامدة هو الذي يناسب حالة الجبال إذ لا تكون الجبال ذائبة.

وقوله ﴿وهي تمر﴾ الذي هو بمعنى السير ﴿مَرَّ السَّحَابِ﴾ أي مرًا واضحًا لكنه لا يبين من أول وهلة. وقوله بعد ذلك كله ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ المقتضي أنه اعتبار بحالة نظامها المألوف لا بحالة انخرام النظام؛ لأن خرم النظام لا يناسب وصفه بالصنع المتقن.

و﴿مَرَّ السَّحَابِ﴾ مصدر مبين لنوع مرور الجبال، أي مرورًا تنتقل به من جهة إلى جهة مع أن الرائي يخالها ثابتة في مكانها كما يخال ناظر السحاب الذي يعم الأفق أنه مستقر وهو ينتقل من صوب ويمطر من مكان إلى آخر فلا يشعر به الناظر إلا وقد غاب عنه.

لماذا هذه الآية تتحدث عن وجه إعجازي؟

ومما يؤكد على أن هذه الآية تتحدث عن ظاهرة تحدث في حياتنا الدنيا وليست في الآخرة هو تعقيب الله سبحانه وتعالى عليها بقوله "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ".

 فالله ليس بحاجة لأن يدلل على بديع صنعه في يوم تكون الجبال فيه كالعهن المنفوش والأرض غير الأرض والسموات غير السموات إلى غير ذلك من مشاهد يوم القيامة المختلفة.

حقائق إعجازية:

وقد حفلت هذه الآية بأوجه من الإعجاز العلمي بالغة الدقة والروعة، منها:

الحقيقة الأولى أن الناظر إلى الجبال يظن أنها جامدة أي ساكنة لا تتحرك أبدًا وهذه حقيقة لا ريب فيها أبدًا فلا يمكن لأحد من البشر أن يحس بحركة الأرض.

الحقيقة الثانية التأكيد على أن الجبال ليست ساكنة بل هي متحركة، وهذه هي الحقيقة التي لم يتمكن البشر من اكتشافها إلا بعد مرور ما يقرب من ألف عام من ذكر القرآن الكريم لها.

الحقيقة الثالثة أن إختيار الجبال كمثال للتدليل على حركة الأرض هو اختيار في غاية الحكمة فلو راقب مشاهد حركة الأرض من على ظهر القمر أو من على ظهر مركبة فضائية فإن الجبال البارزة من سطح الأرض هي وحدها التي تكشف عن حركة الأرض حول محورها ففي غياب علامات واضحة على سطح الأرض فإنه من الصعب اكتشاف مثل هذه الحركة.

الحقيقة الرابعة أنه لكي يوضح الله تعالى للبشر كيف يمكن للشيء أن يبدو ساكنًا في أعين الناظر له وهو في الحقيقة في حركة دائمة ضرب لهم مثلاً في ظاهرة مماثلة وهي حركة السحاب في السماء.

الحقيقة الخامسة هذه الآية توضح مبدأ نسبية الحركة من خلال ظاهرتين:

الظاهرة الأولى يمكن للبشر التأكد منها بأنفسهم بطريقة مباشرة وهي حركة السحاب في السماء حيث من السهل لأي شخص من خلال مراقبة أنواع السحب المختلفة أن يتأكد من حركتها بطرق مختلفة رغم أنه يراها ساكنة لا تتحرك.

الظاهرة الثانية وهي حركة الجبال فإنه من المستحيل إثباتها بشكل مباشر ونحن نقف على سطح الأرض ويتطلب إثباتها طرق غير مباشرة، ولذلك شبه الله حركة الجبال بحركة السحاب لكي تستوعبها عقول البشر.

تحدي التدبر:

ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم 33 مرة، منها مرتان في سورة واحدة.. هل تعرف ما هي؟

.....................................

المراجع:

1- محمد الطاهر بن عاشور، تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد.

2- منصور العبادي أبو شريعة، أستاذ هندسة الاتصالات-جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، في مقال له بموقع إعجاز القرآن والسنة.