بين صفحات القرآن، قصةُ رجلٍ كان آيةً، فأصبح عبرةً📖

بين صفحات القرآن، قصةُ رجلٍ كان آيةً، فأصبح عبرةً📖
2025/04/10

في هذه الآيات العظيمة يروي الله –تعالى- قصة رجلٍ آتاه العلم والآيات، لكنه انسلخ منها واتبع هواه، فصار عبرةً لمن يعتبر. 🤔


قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف: 175-176) 📜

 

📖فيمن نزلت هذه الآيات؟!

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) قال ابن جرير في تفسيرها:
واقرأْ، يا مُحمَّدُ على قَومِك قِصَّةَ الرَّجُلِ الذي عَلَّمْناه آياتِنا.. وجائزٌ أن يكونَ الذي كان اللهُ آتاه ذلك بلعامُ بنُ باعور وكان في زمنِ موسى عليه السَّلامُ، وجائزٌ أن يكونَ أميَّةُ بن أبي الصَّلتِ وكان قد أدرك زمانَ رَسولِ الله ﷺ، وبلَغَتْه أعلامُه وآياتُه ومُعجزاتُه، وظَهَرَت لكلِّ مَن له بصيرةٌ، ومع هذا اجتمَعَ به ولم يتَّبِعْه، ولا خبَرَ بأيِّ ذلك المرادُ، وأيُّ الرَّجُلينِ المعنيُّ- يُوجِبُ الحُجَّةَ، ولا في العَقلِ دلالةٌ على أنَّ ذلك المعنيَّ به مِن أيٍّ، فالصوابُ أن يُقالَ فيه ما قال اللهُ، ويُقَرُّ بظاهِرِ التَّنزيلِ على ما جاء به الوَحيُ مِن اللهِ.

 

🐍ما السبب في انسلاخه من آيات الله تعالى؟

(فَانْسَلَخَ مِنْهَا) أي: فخرَج من تلك الآياتِ التي علَّمَه اللهُ –تعالى- إيَّاها، وتبرَّأَ منها وفارَقَها، ولم يَعْلَقْ به منها شيءٌ. [تفسير السعدي]
قال ابن القيم في إعلام الموقعين:
أخبَرَ سبحانه أنَّه هو الذي آتاه آياتِه؛ فإنَّها نعمةٌ، واللهُ هو الذي أنعَمَ بها عليه، فأضافَها إلى نفسِه، ثمَّ قال: فَانْسَلَخَ مِنْهَا أي: خرجَ منها، كما تنسَلِخُ الحيَّةُ مِن جِلْدِها، وفارَقَها فِراقَ الجِلدِ ينسَلِخُ عن اللَّحمِ، ولم يقُلْ: (فسلخْناه منها)؛ لأنَّه هو الذي تسبَّبَ إلى انسلاخِه منها؛ باتِّباعِ هواه. 🐍

 

🕊️كيف تكون الرفعة عند الله تعالى؟

(فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) 👿 أي: فلَحِقَه الشَّيطانُ وأدرَكَه، وجعَلَه له تابعًا يُطيعُ أمْرَه، فصار من الضالِّين الذين لا يَعملونَ بعِلْمِهم. [تفسير ابن عاشور]

(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) 📈 أي: ولو شِئْنا لرَفَعْنا قَدْرَه ومنزِلتَه في الدُّنيا والآخرةِ، بتوفيقِنا له للعَمَلِ بآياتِنا، والرِّفعةُ عند اللهِ تعالى ليست بمجَرَّدِ العِلمِ- فإنَّ هذا كان مِن العُلَماءِ- وإنَّما هي باتِّباعِ الحَقِّ وإيثارِه، وقَصدِ مرضاةِ اللهِ –تعالى-.

 فإنَّ هذا كان مِن أعلَمِ أهلِ زَمانِه، ولم يرفَعْه اللهُ بعِلمِه، ولم ينفَعْه به، وفي الآيةِ أنَّه هو سبحانه الذي يرفَعُ عَبْدَه- إذا شاء- بما آتاه اللهُ مِن العِلمِ، وإنْ لم يرفَعْه اللهُ، فهو موضوعٌ لا يرفَعُ أحدٌ به رأسًا؛ فإنَّه سبحانه هو الخافِضُ الرَّافِعُ؛ وقد خَفَضَه اللهُ –سبحانه-، ولم يَرْفَعْه. [تفسير ابن عاشور- إعلام الموقعين]

 

⚖️أشد الآيات على أصحاب العلم

(وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) 🌍 أي: ولكنَّه سكَنَ إلى الحياةِ الدُّنيا، ومال إلى زِينَتِها، وآثَرَ لذَّاتِها وشَهَواتِها على الآخرةِ، واتَّبعَ ما تميلُ إليه نَفسُه مِن الباطِلِ، وخالَفَ أمرَ اللهِ.


وقد فسروا الأرضَ في هذه الآية بالدنيا؛ لأنَّ ما فيها مِن العَقارِ والضِّياعِ كُلُّها أرضٌ، وسائِرُ مَتاعِها يُستخرَجُ مِن الأرضِ، فالدُّنيا كلُّها هي الأرضُ، فصَلَح أن يعبِّرَ عنها بالأرضِ؛ لأنَّها هي.


وهذه الآيةُ مِن أشَدِّ الآيِ على أصحابِ العِلمِ؛ وذلك أنَّ اللهَ –تعالى- أخبَرَ أنَّه آتاه آياتِه، فاستوجَبَ بالسُّكونِ إلى الدُّنيا واتِّباعِ الهوى، تغييرَ النِّعمةِ عليه، والانسلاخَ عنها، ومن ذا الذي سَلِم من هاتين الخَلّتين إلا من عصمه الله، إلَّا مَن عَصَمَه اللهُ. [تفسير ابن جرير-التفسير البسيط للواحدي]
 

قال ابنُ القَيِّم:
أنَّه لم يتعاطَ الأسبابَ التي تقتضي رَفعَه بالآياتِ؛ من إيثارِ اللهِ ومَرضاتِه على هواه، ولكنَّه آثرَ الدُّنيا، وأخلدَ إلى الأرضِ، واتَّبعَ هواه. [إعلام الموقعين]

 

💔كيف حال من ترك العمل بكتاب الله؟!

(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)  قال ابن كثير في تفسيرها: 

فمَثَلُ هذا الذي آتَيناه آياتِنا فانسلَخَ منها؛ في عَدَمِ اتعاظِه، وعَدَمِ تَركِه الحِرصَ على الدُّنيا بحالٍ- مَثَلُ الكَلْبِ🐕 الذي لا يترُكُ اللَّهَثَ بحالٍ، سواءٌ زَجَرتَه وطَرَدْتَه، أم تَركْتَه؛ فهذا الذي ترك العَملَ بكتابِ اللهِ، إن وعَظْتَه فهو على ضلالِه لا يتَّعِظُ، وإن تركْتَه فهو مستمِرٌّ في ضلالِه، لا يترُكُ في جميعِ الأحوالِ ما هو عليه من الكُفرِ، واللَّهَفِ على الدُّنيا.

 

🛑لاتغتر فالعبرة بالخواتيم

(ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا)  أي: ذلك المثَلُ المضروبُ لِتَشبيهِ المُنسلِخ مِن آياتِنا، بالكَلْبِ الذي يلهَثُ في جميعِ الأحوالِ؛ هو مَثَلُ جميعِ المُكَذِّبينَ بآياتِنا. والمُرادُ بهذا المثلِ: أنَّ منْ لم يزجرْه علمُه عن القبيحِ، صارَ القبيحُ عادةً له، ولم يؤثِّرْ فيه علمُه شيئًا، فيصيرُ حالُه كحالِ الكلبِ اللاهثِ فإنَه إنْ طُرِدَ لَهِثَ، وإنْ ترِكَ لَهِثَ، فالحالتانِ عنده سواءٌ.

وهذا أخسُّ أحوالِ الكلبِ وأبشعُهَا، فكذلكَ من يرتكبُ القبائح مع جهلِهِ ومع علمِهِ، فلا يؤثِّرُ علمُه شيئًا، وكذلكَ مثلُ مَنْ لا يرتدعُ عن القبيحِ بوعظٍ ولا زجرٍ ولا غيرِهِ، فإنَّ فعلَ القبيحِ يصيرُ عادةً، ولا ينزجِرُ عنه بوعظٍ ولا تأديبٍ ولا تعليمٍ، بل هو متبعٌ للهَوى على كلِّ حالٍ، فهذا حالُ كلِّ مَن اتَبعَ هواه، ولم ينزجِرْ عنه بوعظٍ ولا غيرِهِ. [تفسير السعدي-تفسير ابن رجب الحنبلي]

وهذا المثَلُ في قولِ كَثيرٍ مِن أهلِ العِلمِ بالتَّأويلِ؛ عامٌّ في كلِّ مَن أوتِيَ القُرآنَ، فلم يعمَلْ به. فلا يغتَرَّ أحدٌ بما أوتِيَ من المعارِف، وما حاز من المفاخِرِ واللَّطائِفِ؛ فإنَّ العِبرةَ بالخواتيمِ. [نظم الدرر للبقاعي- تفسير القرطبي]

 

🤔لماذا هذه القصة؟

(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) 📖 أي: فاسْرُدْ- يا مُحمَّدُ- على قَومِك مِن قُريشٍ، وعلى اليَهودِ، ما قصَصْتُه عليك في القُرآنِ من أخبارِ الأمَمِ السَّابقة؛ ليتفَكَّروا فيها، فيعتَبِروا ويتوبوا إلى ربِّهم، ولِيعلَمَ أهلُ الكِتابِ صِحَّةَ نبوَّتِك، فيُؤمِنوا بك. [تفسير ابن جرير]

 

🌟يستفاد من الآية:
فيها عبرةِ مِن حالِ أحدِ الَّذينَ أخَذَ اللهُ عليهم العَهدَ بالتَّوحيدِ والامتثالِ لأمرِ الله، وأمَدَّه اللهُ بعِلمٍ يُعينُه على الوفاءِ بما عاهدَ اللهَ عليه، وما أودعَ في فطرتِه، ثمَّ لم ينفَعْه ذلك كلُّه حين لم يُقَدِّرِ اللهُ له الهُدى المُستَمِرَّ. [تفسير ابن عاشور]

 

⚠️أكثر الأشياء التي يتخوفها النبي ﷺ على أمته:
عن حُذيفةَ بنِ اليَمانِ -رَضِيَ اللهُ عنه-، قال:
قال رسولُ اللهِ ﷺ:
(إنَّ مِمَّا أتخَوَّفُ عليكم لَرجُلًا قرأَ القرآنَ، حتى إذا رُئِيَت بهجَتُه عليه، وكان ردءًا للإسلامِ، اعتراه إلى ما شاءَ الله، انسلَخَ منه، ونبَذَه وراءَ ظَهرِه، وسعى على جارِه بالسَّيفِ، ورماه بالشِّرْكِ،
قلتُ:
يا نبيَّ الله، أيُّهما أَوْلى بالشِّرْكِ: المرميُّ أو الرَّامي؟
قال:
بل الرَّامي
).
[حسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3201)] 📚

إن من أكثر الأشياء التي يتخوفها النبي ﷺ على أمته رجل قرأ القرآن ورأى الناسُ عليه نور القرآن وحسنه وأثره الطيب، وكان عونًا للإسلام وأهله ومدافعًا عنهم، ثم إذا به يغير ذلك ويفارق الإسلام ويترك القرآن ويقتل جاره ويتهمه بالشرك، فسألوا النبي ﷺ: من أحق بالشرك، هذا الرجل الذي قتل جاره واتهمه بالشرك أم الجار؟ فأخبر النبي ﷺ أن الرجل الذي اتهم جاره بالشرك وقتله هو أحق بالشرك وأولى به. ⚖️

ومن فوائد الحديث:

  1. قراءة القرآن والعمل به في الظاهر لا يفيد حتى يصاحبه الإيمان القلبي واتباع السنة، والثبات على ذلك.

  2. التحذير من قتل المسلمين وتكفيرهم.

  3. الذي يكفر المسلمين ويخرج عليهم هو أولى بالكفر منه.

 

📚✨شاركنا الفائدة:
ما الرسالة التي خرجت بها من هذه القصة؟ وما أكثر جزء منها أثر فيك؟ 🤔

 

🔍تحدي التدبر:
ما الآية الكريمة التي ورد فيها الذم على القول بلا عمل وفي أي سورة هي؟ 📖

 

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة