
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [القصص ١٦]
هذا الدعاءُ مما دعا به موسى -عليه السلام- في أعقاب قَتْلِهِ ذلكَ القبطيّ؛ حيث دعا ربه معترفًا بما حصل منه: ربِّ إني ظلمت نفسي بقتل هذا القِبْطيِّ؛ فاغفر لي ذنبي، فبيّن الله لنا مغفرته لموسى، إنه هو الغفور لمن تاب من عباده، الرحيم بهم. [المختصر في التفسير].
فإن قيل: كيف استغفر من القتل وكان المقتولُ كافراً؟ فالجواب: أنه لم يؤذنْ له في قتله، ولذلك يقول يوم القيامة: إني قتلت نفساً لم أومر بقتلها. [تفسير ابن جُزَيّ:٢ /١٤١]
ومع ندمِ موسى -عليه السلام- وإقراره بذنبه الذي لم يتعمّده واستغفاره منه، إلا أنه يظل متذكِّرا ذلك الذنبَ حتى إنه حين يأتيه الناسُ يطلبون شفاعته يوم القيامة، يقول لهم: "إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنِّي قدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي" [متفق عليه].
فهذا الدعاء من جوامع الدعاء؛ ولهذا لما سأل أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه رسولَ الله ﷺ أن يعلمه دعاءً يدعو به في صلاته وفي بيته، قال له النبيُّ ﷺ: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا (أو: كَبِيرًا)، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». [أخرجاه في الصحيحيْن].
فحريٌّ بكل من ألمَّ بشيء من هذه الذنوب أن يبادر إلى ترديد هذا الدعاء الطيب؛ مستحضرًا ما فيه من معاني الإقرار بالذنب والخضوع والإنابة والاستغفار، فيكون كما قَالَ قَتَادَةُ في شأن موسى: "عَرَفَ وَاللَّهِ الْمَخْرَجَ فَاسْتَغْفَرَ"؛ فالاستغفار والتوبة سبيلك للنجاة من شؤم المعصية والذنب.