العَجَلة من الشيطان.. إلا في طريق الجنان!

العَجَلة من الشيطان.. إلا في طريق الجنان!
2025/07/17

مما يجري على ألسنة الناس، كالمثل السائر، قولُهم: "العَجَلةُ مِنَ الشيطانِ"، وهو مأخوذ من حديثٍ يُروى عن النبي ﷺ: «الأناةُ مِنَ اللهِ، والعَجَلةُ مِنَ الشيطانِ» [ضعيف الجامع (2300)]. وقال مالك رحمه الله: (كان يُقالُ: التَّأنِّي من اللَّهِ، والعَجَلةُ من الشَّيطانِ) [رواه البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(817)]. وكذا قال ابنُ القَيِّمِ: (العَجَلةُ من الشَّيطانِ؛ فإنَّها خِفَّةٌ وطَيشٌ وحِدَّةٌ في العبدِ) [الروح (ص: 258)].

والعجلة في غالب الأمور مذمومة ولها آثار سلبية عديدة، إلا ما كان منها في المسارعة إلى الخيرات وطاعة الله عز وجل؛ فإنها تكون حينئذٍ محمودة ممدوحة.

ولهذا؛ لما أمر الله تعالى، موسى- عليه السلام- أن يسير هو وبنو إسرائيل إلى الطور، تقدَّم موسى وحدَه مبادرةً إلى أمر الله، وطلباً لرضاه، وأمر بني إسرائيل أن يسيروا بعده؛ فقال الله له: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى﴾ أي: ما الذي حَمَلَك -يا موسى- على أن تَسبِقَ قَومَك إلى الطُّورِ، ولم تَصبِرْ حتى تقْدَمَ معهم؟!. فكان جوابُ موسى: ﴿قَالَ هُمۡ أُو۟لَاۤءِ عَلَىٰۤ أَثَرِی وَعَجِلۡتُ إِلَیۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ﴾ [طه ٨٤]. ﴿هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي﴾ أي: قريبا مني، وسيصلون في أثري والذي عجلني إليك يا رب طلبا لقربك ومسارعةً في رضاك، وشوقا إليك. [تفسير السعدي].

فهذه العبارة القصيرة: ﴿وَعَجِلۡتُ إِلَیۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ﴾ تحمل في طيّاتها أعظم أسرار السير إلى الله، وتُعبّر عن شوق المؤمن إلى مرضاة ربه، مشمِّرا، مُجتهدًا، لا ينتظر، لا يتباطأ، بل يُسارع، بل "يعجل"، فهذه عجلة محمودة مرغَّبٌ فيها أشدَّ الترغيب.

والمسارعة إلى أعمال البرّ والخير سِمةٌ بارزةٌ في حياة الأنبياء عليهم السلام والصالحين، كما قال تعالى عنهم:

﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [الأنبياء: 90]

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَهُمۡ لَهَا سَـٰبِقُونَ﴾ [المؤمنون ٦١]

فلا يؤخرون طاعة، ولا يُسوّفون في عبادة، بل ينتهزون كل لحظة في طاعة ربهم.

وقد أمر الله تعالى مَن توجَّه إلى الخير بالإقبال عليه بالجد من غير تردُّدٍ؛ فقال جل ثناؤه: ﴿وَسَارِعُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ﴾ [آل عمران ١٣٣]، وقال أيضًا: ﴿فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ﴾ [المائدة ٤٨].

ويستدل بهذه الآية الشريفة ﴿فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ﴾ على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل؛ كالصلاة في أول وقتها، والمبادرة إلى إبراء الذمة من الصيام، والحج، والعمرة، وإخراج الزكاة، والإتيان بسنن العبادات وآدابها؛ فلله ما أجمعها وأنفعها من آية! [تفسير السعدي]

نماذج مشرقة:

وحال النبيِّ الكريم ﷺ خيرُ شاهدٍ على هذه المسارعة والمبادرة إلى أعمال البر والخير؛ فحين صَلَّى العَصْرَ يومًا، فَسَلَّمَ، قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِن سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عليهم، فَرَأَى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِن سُرْعَتِهِ، فَقالَ: «ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ (ذهَبٍ) عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ». [البخاري (851)].

وتجد هذه المسارعةَ إلى الخير أيضًا في حال هذا الصحابي الصادق الذي كان يأكل تمرات في يده يَومَ أُحُدٍ، ثم سألَ النبيَّ ﷺ: أرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ؛ فأيْنَ أنَا؟ قالَ: في الجَنَّةِ!. فألْقَى هذه التَمَرَات من يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حتَّى قُتِلَ. [البخاري (4046)، ومسلم (1899)].

ومن خير النماذج على التسابق في الأعمال الصالحة ما يحكيه عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه:

أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، ‌إِنْ ‌سَبَقْتُهُ ‌يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟! " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إلى شيء أبدا [صحيح أبي داود (1678)].

السابقون أعلى الخلق درجةً:

يقول السعدي رحمه الله:

"والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات، فإن الاستباق إليها، يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومَن سبَقَ في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابقُ في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجةً" . [تفسير السعدي (ص73)]

ومَن اكتفى بالحد الأدنى من فعل الخيرات ضعف نشاطُه إلى حد العجز والكسل، ومَن ألزم نفسه بسباق غيره ثبت وزادت منزلته عند ربه، ﴿فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ﴾ [القرآن – تدبر وعمل]

والآن جاء دورُك:

🎯 اختر طاعة من الطاعات، وسابق إليها، وكن مِن أول مَن يفعلها، وتذكر دائمًا قوله سبحانه: ﴿أُو۟لَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَٰبِقُونَ﴾

💥كن من أهل هذه الآية: ﴿فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ﴾ .. سابق اليوم إلى الصف الأول، أو كن أول من يتصدق بصدقة، أو أول من يقرأ قرآنا؛ فإن للسابقين منزلة ليست لغيرهم.

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة