إيمان سحرة فرعون: درس في الثبات أمام الطغيان.

إيمان سحرة فرعون: درس في الثبات أمام الطغيان.
2025/08/19

إيمان سحرة فرعون 

في أعماق القرآن الكريم تتجلى قصص الأنبياء كنبراس هداية يضيء دروب الأمم، ومن أعظم هذه القصص قصة سحرة فرعون الذين تحولوا من أدوات الباطل إلى أنصار الحق، معلنين إيمانهم برب موسى وهارون رغم تهديد الطاغية.
الآية الكريمة:
﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: 71]، تُبرز مشهدًا عظيمًا من هذه القصة، حيث يواجه فرعون إيمان السحرة بالاتهام والتهديد.
هيا بنا نسير معا في الفائدة، لنستخلص عبرًا تنير درب المسلمين.

سياق القصة في القرآن الكريم

تبدأ القصة في سورة طه بإرسال الله موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد.
جمع فرعون سحرته لمواجهة معجزة موسى، وهي تحول العصا إلى حية تسعى.
ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فخُيِّل للناس أنها تسعى، لكن عصا موسى ابتلعتها، فأدرك السحرة أن ما جاء به موسى معجزة إلهية، فخرّوا ساجدين وقالوا:
﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: 120-122].
يقول الإمام الطبري في تفسيره: إن فرعون اتهمهم بالتواطؤ مع موسى ليُوهم الناس أن الأمر مؤامرة، مع علمه بكذب ذلك.

تفسير الآية الكريمة

يبين ابن كثير في تفسيره أن قول فرعون: "آمنتم له قبل أن آذن لكم" يعكس استكباره، إذ رأى نفسه إلهًا يملك أمر الإيمان. واتهامه لموسى بأنه "كبيركم الذي علمكم السحر" بهتان يعرفه السحرة والحاضرون.

أما تهديده بقطع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب على جذوع النخل، فيشير إلى عقوبة قاسية للتشهير والتعذيب.

ويضيف ابن كثير أن السحرة ثبتوا على إيمانهم رغم هذا الوعيد، مما يظهر قوة يقينهم.

وفي رواية عن ابن عباس، كان عددهم اثني عشر ألفًا، وذكر ذلك في تفسير الطبري.

قوة إيمان السحرة وثباتهم

ما يُدهش في هذه القصة هو تحول السحرة السريع من الكفر إلى الإيمان الراسخ.
يقول الشيخ الشعراوي: "كانوا خبراء السحر، فلما رأوا معجزة موسى علموا أنها ليست من جنس السحر، فآمنوا".
وفي حديث نبوي رواه البخاري عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء" [البخاري: 3455]، مشيرًا إلى سياق دعوة الأنبياء.


وقد ثبت السحرة فقالوا: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ [طه: 72]، دلالة على يقينهم وصبرهم.
وفي رواية أخرى رواها النسائي وصححها الألباني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" [النسائي: 4209]، وهو ما ينطبق على موقف السحرة.

أقوال العلماء

  • يذكر الإمام القرطبي في جامع أحكام القرآن أن إيمان السحرة دليل على أن الهداية من الله، وأنهم صبروا على العذاب طمعًا في الجنة.
     

  • وفي رواية مخرجة في مسند أحمد عن ابن مسعود: "قال السحرة لفرعون: افعل ما أنت فاعل" [مسند أحمد: 1/368]، مما يُظهر ثباتهم.
     

  • ويقول سيد قطب في ظلال القرآن: "هذا الإيمان يُثبت أن القلب بين أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء".
     

  • ويضيف السعدي في تفسيره: "في هذه القصة بيان أن أهل الباطل إذا بان لهم الحق انقادوا له، وأن من صدق في اتباع الحق يثبّته الله أمام أشد التهديد".
     

لمسة أدبية

في سياق هذه القصة، يناسب قول الشاعر أبي الطيب المتنبي:

وإذا أراد الله نشر فضيلةً طُويت أتاح لها لسانَ حسودِ
 

فإيمان السحرة نشر فضيلة الهداية رغم حسد فرعون، ليصبحوا قدوة في الثبات على الحق.

رسالة لك

أيها القارئ الكريم، تأمل معي: كيف تحول السحرة في لحظة من أهل الباطل إلى أبطال الحق؟
اسأل نفسك: هل أمتلك هذا الثبات إذا واجهت محنة؟
جرب أن تتأمل في آيات الله ومعجزاته حولك، وشاركنا في التعليقات: ما الذي يُلهمك من هذه القصة؟

 

بحث

الأكثر تداولاً

ellipse
loading

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة