معجزة تراها كل يوم.. هل وقفت لحظة لتتأملها؟

معجزة تراها كل يوم.. هل وقفت لحظة لتتأملها؟
2025/09/11

آيات الله في الكون لا تنقضي، وكل مخلوق يشهد بعظيم قدرته سبحانه، ومن أعجبها ما أودعه في الأنعام من دلائل التوحيد. فجعل اللبن يخرج خالصًا نقيًا بين فرث ودم، آيةً بديعة تشهد على كمال حكمته ورحمته.

قال الله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةࣰۖ نُّسۡقِیكُم مِّمَّا فِی بُطُونِهِۦ مِنۢ بَیۡنِ فَرۡثࣲ وَدَمࣲ لَّبَنًا خَالِصࣰا سَاۤىِٕغࣰا لِّلشَّـٰرِبِینَ) [النحل:66].

 

آية ودلالة:

قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةࣰۖ﴾ أي: وإن لكم أيها الناس لعظة في الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم.

﴿لَعِبْرَةً﴾ أي: لآية ودلالة على قدرة خالقها وحكمته ولطفه ورحمته، والعبرة أصلها تمثيل الشيء بالشيء ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة.

قال أبو بكر الوراق:

العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم، وتمردك أنت على ربك وخلافك له في كل شي.

قال الله تعالى: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ

و﴿نُسْقِيكُمْ﴾ بمعنى: أنه أسقاهم شرابًا دائمًا، فما أسقى الله عباده من بطون الأنعام فدائم لهم غير منقطع عنهم.

(مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ والضمير عائد على جنس الحيوان؛ أي نسقيكم مما في بطن هذا الحيوان، وهذا كثير في القرآن مثل قوله تعالى للشمس (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي) [الأنعام:78] يعني هذا الشيء الطالع.

 

من الذي دبر هذا التدبير؟

ومن تدبيره سبحانه أنه أخرج اللبن ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾. والفرث الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش.

والمعنى أن الشيء الذي تأكله الأنعام يكون منه ما في الكرش وهو الفرث، ويكون منه الدم، فيكون أسفله فرثًا وأعلاه دمًا وأوسطه لبنًا فيجري الدم في العروق واللبن في الضروع ويبقى الفرث في الكرش كما هوـ فسبحان من هذه بعض حكمته.

ومن صفاته أنه ﴿لَبَنًا خَالِصًا﴾ من حمرة الدم وقذارة الفرث بعد أن جمعهما وعاء واحدٌ. والحاصل أن الله تعالى خلق اللبن في مكان وسط بين الفرث والدم، والظاهر أن هذا أيضًا موضعًا للعبرة، إذ نبه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصا بين الفرث والدم، وهذه قدرة لا تنبغي إلا للقائم على كل شي بالمصلحة.

جاء في مفتاح دار السعادة لابن القيم:

وسل المعطل الجاحد: من الذي دبر هذا التدبير، وقدر هذا التقدير، وأتقن هذا الصنع، ولطف هذا اللطف سوى اللطيف الخبير؟! فهذه الأحوال إنما تحدث بتدبير فاعل حكيم رحيم، يدبر أحوال هذا العالم على وفق مصالح العباد، فسبحان من تشهد جميع ذرات العالم بكمال قدرته، ونهاية حكمته ورحمته، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.

 

عبرة وعظة:

ووصف عز وجل هذا اللبن بأنه ﴿سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ أي: سهل مدخله في الحلق، لا يغص به من شربه.

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:

قال رسول الله ﷺ: (إذا أَكلَ أحدُكم طعامًا فليقُلْ: اللَّهُمَّ  بارِك لنا فيهِ، وأطعِمنا خيرًا منهُ. وإذا سُقيَ لبنًا؛ فليقُلْ: اللَّهمَّ بارِك لنا فيهِ وزِدنا منهُ؛ فإنَّهُ ليسَ شيءٌ يَجزِي من الطَّعامِ والشَّرابِ إلَّا اللَّبنَ)[أخرجه أبو داود (3730) وحسنه الألباني]

وموضع الاعتبار هنا حدوث اللبن، فإنه كما يدل على وجود الصانع المختار يدل على إمكان الحشر والنشر؛ لأن هذا العشب الذي يأكله الحيوان إنما يتولد من الماء والأرض فخالق العالم دبر تدبيرًا انقلب به لبنًا، ثم دبر تدبيرًا آخر حدث من ذلك اللبن الدهن والجبن، وهذا يدل على أنه تعالى قادر على أن يقلب هذه الأجسام من صفة إلى صفة، ومن حالة إلى حالة، فإذا كان كذلك لم يمتنع أن يكون قادرًا على أن يقلب أجزاء أبدان الأموات إلى صفة الحياة والعقل كما كانت قبل ذلك، فهذا الاعتبار يدل من هذا الوجه على البعث والقيامة.

 

الإعجاز العلمي:
في تأكيد القرآن الكريم أن الله تعالى يخلق لنا اللبن في ضروع الحيوانات من بين فرث ودم، حقيقة علمية لم يصل إليها علم الإنسان إلا في القرن العشرين.

 فالدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن حركة الدم بين معدة الأنعام المحتوية على الفرث وبين باقي أجزاء جسم الحيوان من الأنعام هي التي يتخلق بها اللبن حتى يصل إلى الضرع.

وهي عملية معقدة يتم خلالها ضخ حوالي خمسمائة لتر من الدم إلى الغدد اللبنية في ضرع الحيوان من الأنعام الكبيرة كالإبل والبقر لتوفير المواد اللازمة من البروتينات والكربوهيدرات، والدهون، والفيتامينات، والهرمونات اللازمة لرضعة واحدة أو لحلبة واحدة كاملة والتي يستخلصها الدم من الفرث ثم يوصلها إلى الغدد اللبنية.

وما كان أحد يعلم قبل اكتشاف أجهزة التشريح أسرار ما يجري في الجهاز الهضمي عند الحيوان والإنسان ووظائف ذلك الجهاز المعقد وعلاقته بالدورة الدموية ومراحل تكون اللبن في بطون الأنعام.

 فلما تكاملت صناعة الأجهزة والتجارب العلمية عبر قرون عرف الإنسان أن مكونات اللبن تستخلص بعد هضم الطعام من بين الفرث وتجري مع مجرى الدم لتصل إلى الغدد اللبنية في ضروع الإناث التي تقوم باستخلاص مكونات اللبن من بين الدم دون أن يبقى أي آثار من الفرث أو الدم، وتضاف إليه من حويصلات اللبن مادة سكر اللبن التي تجعله سائغًا للشاربين.

هذه الأسرار كانت محجوبة عن البشر فلم يكتشفوها إلا بعد رحلة طويلة من التجارب والبحوث العلمية التي استغرقت قرونًا واستعملت فيها أجهزة صنعت لأول مرة لم يكن لها وجود عند البشر قبل ذلك، ولكن القرآن الكريم كشفها أمام قارئيه بأجمل عبارة.

 

شاركنا:

ما هو شعورك عندما ترى أن القرآن أشار لهذه الحقيقة قبل أن يكتشفها العلم الحديث بقرون؟

.............

المصادر:

تفسير الطبري- فتح البيان للقنوجي- تفسير ابن كثير- تفسير القرطبي- تفسير السعدي- تفسير الآلوسي- مفتاح دار السعادة لابن القيم- المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة للصلابي.

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة