صدقة لا تُكلفك شيئًا لكنها تغيّر كل شيء

صدقة لا تُكلفك شيئًا لكنها تغيّر كل شيء
2025/09/15

الكلمة الطيبة عنوان القلب السليم، والقول الحسن مفتاح المودة والتآلف بين الناس. وقد أمرنا الله تعالى أن نجعل ألسنتنا مصدر خير، فقال: (وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا) [البقرة:83]

 

ما المقصود بالحُسن؟

الحُسن هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحسن؛ ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا[العنكبوت: ٨] يعني بذلك أنه وصاه فيهما بجميع معاني الحُسن، وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه، فقال: ﴿ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا﴾ ، يعني بذلك بعض معاني الحُسن.

قال النسفي:

هو حسن في نفسه لإفراط حسنه، وهذا إنما يستعمل للمبالغة في تأكيد الوصف، فكأنه نفس الحسن، كرجل عدل.

 

أعلى مراتب الأدب:

والقول الحسن الذي أمر الله به فهو لين القول، وهو من أعلى مراتب الأدب والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله وأحبه.

والظاهر أن هذا القول الذي أمرنا الله به لا يختص بنوع معين بل كل ما صدق عليه إنه حسن شرعًا كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر، وقد قيل إن ذلك هو كلمة التوحيد، وقيل الصدق، وقيل الأمر بالمعروف، وقيل هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق والنهي عن المنكر.

قال الحسن البصري:

الحُسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حسنًا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله.

وعن أبي ذر، رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ) [رواه مسلم:2626].

 

حسن في هيئته ومعناه:

والقول الحسن يشمل الحسن في هيئته، وفي معناه، ففي هيئته أن يكون باللطف واللين وعدم الغلظة والشدة، وفي معناه بأن يكون خيرًا؛ لأن كل قول حسن فهو خير، وكل قول خير فهو حسن.

 

جميع آداب الدين والدنيا:

وينبغي للإنسان أن يكون للناس لينًا ووجهه منبسطًا طلقًا مع البر والفاجر، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه.

إذ أن كلام الناس مع الناس إما أن يكون في الأمور الدينية أو في الأمور الدنيوية.

فإن كان في الأمور الدينية فإما أن يكون في الدعوة إلى الإيمان وهو مع الكفار أو في الدعوة إلى الطاعة وهو مع الفاسق.

 أما الدعوة إلى الإيمان فلا بد وأن تكون بالقول الحسن كما قال تعالى لموسى وهارون: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ [طه: ٤٤] أمرهما الله تعالى بالرفق مع فرعون مع جلالتهما ونهاية كفر فرعون وتمرده وعتوه على الله تعالى، وقال لمحمد ﷺ: ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩].

وأما دعوة الفساق فالقول الحسن فيه معتبر، قال تعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥] وقالَ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤].

قال طلحة بن عمر:

قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ.

 فقال: لا تفعل! يقول الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾. فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي؟!

وروي عن النبي ﷺ أنه قال لعائشة: (لو كان الفُحشُ رجلًا لكان رجلَ سُوءٍ) [أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق، وصححه الألباني في الصحيحة].

وأما في الأمور الدنيوية فمن المعلوم بالضرورة أنه إذا أمكن التوصل إلى الغرض بالتلطف من القول لم يحسن سواه، فثبت أن جميع آداب الدين والدنيا داخلة تحت قوله: ﴿وقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا﴾.

 

دلالة القول الحسن:

وجعل الإحسان لسائر الناس بالقول؛ لأنه القدر الذي يمكن معاملة جميع الناس به وذلك أن أصل القول أن يكون عن اعتقاد، فهم إذا قالوا للناس حسنًا فقد أضمروا لهم خيرًا وذلك أصل حسن المعاملة مع الخلق.

 قال النبي ﷺ: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حَتّى يُحِبَّ لِأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)[رواه البخاري:13] وقَدْ عَلَّمَنا اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿ولا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحشر: ١٠].

 على أنه إذا عرض ما يوجب تكدر الخاطر فإن القول الحسن يزيل ما في نفس القائل من الكدر ويرى للمقول له الصفاء فلا يعامله إلا بالصفاء.

 قال المعري:

والخَلُّ كالماءِ يُبْدِي لِي ضَمائِرَهُ ∗∗∗ مَعَ الصَّفاءِ ويُخْفِيها مَعَ الكَدَرِ

 

فالقول الحسن ليس مجرد كلمات، بل هو عبادة وأدب رفيع يزكي النفوس ويعمر القلوب. فلنجعل حديثنا زادًا للخير، وابتسامتنا جسرًا للمحبة، امتثالًا لأمر الله واتباعًا لهدي نبيه ﷺ.

 

نصائح عملية:
  1. ابدأ يومك بكلمة طيبة، فهي صدقة لا تُكلفك شيئًا لكنها تغيّر كل شيء.

  2. الكلمة الطيبة ليست مجاملة سطحية، بل نية صادقة تحمل خيرًا في معناها ولطفًا في أسلوبها.

  3. اجعل لسانك رطبًا بالسلام، والدعاء، والابتسامة الصادقة.

  4. درّب نفسك على الردّ بهدوء حتى في لحظات الغضب.

  5. استبدل النقد الجارح بنصيحة رقيقة.

  6. الكلمة اللينة تُلين القلوب القاسية، وتفتح باب التفاهم حتى مع من يختلفون معك.

  7. جرّب أن تبدأ حديثك بالشكر، وأن تختمه بدعاء، وسترى أثر ذلك في نفسك قبل غيرك.

 

شاركنا قصتك:

هل تتذكر موقفًا أصلح فيه "القول الحسن" بينك وبين شخص كنت على خلاف معه؟

................

تفسير الطبري- فتح البيان للقنوجي- تفسير ابن كثير- تفسير القرطبي- تفسير السعدي- تفسير الرازي- تفسير ابن عثيمين- التحرير والتنوير لابن عاشور- تفسير النسفي.

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة