يقول الله تعالى:
﴿أَفَرَءَیۡتَ إِن مَّتَّعۡنَـٰهُمۡ سِنِینَ ٢٠٥ ثُمَّ جَاۤءَهُم مَّا كَانُوا۟ یُوعَدُونَ ٢٠٦ مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یُمَتَّعُونَ ٢٠٧﴾ [الشعراء ٢٠٥-٢٠٧]
أي: أخبرني أيها المخاطب إن متعنا هؤلاء سنين، وأمهلناهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى بلغوا غاية المتعة في هذه الدنيا، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ماذا ينفعهم هذا التمتيع؟! في الحقيقة لا يزيدهم إلا حسرةً -والعياذ بالله-، وإلا زيادةً في العقوبة في النار. [تفسير ابن عثيمين]
ويُصدِّق هذا المعنى قولُ النبي ﷺ:
"يُؤتَى بأنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِن أهلِ النَّارِ يومَ القيامةِ، فيُصبَغُ في النَّارِ صَبغةً، ثمَّ يُقالُ: يا ابنَ آدَمَ، هل رأيتَ خيرًا قَطُّ؟ هل مَرَّ بك نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا واللهِ يا رَبِّ! …". [رواه مسلم (2807)]
قال ابن القيم رحمه الله:
"يكفي في الزُّهدِ في الدُّنيا قَولُه تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الفوائد].
وتلا بعضُ السَّلَفِ هذه الآيةَ وبكى، وقال: "إذا جاء الموتُ لم يُغْنِ عن المرءِ ما كان فيه مِن اللذَّةِ والنَّعيمِ"! [لطائف المعارف]
ولما اشتكى التابعيُّ الجليل ميمونُ بنُ مهران، قسوةً في قلبه، وكان قد كبر سنه، خرج -يقوده ولدُه عمرو- إلى بيت الحسن البصري، وقال له: "يا أبا سعيد قد أنست من قلبي غلظةً فاستلن لي منه"، أي: اذكر لي شيئا يلين قسوةَ قلبي.
فقرأ الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ).
فسقط ميمون، يفحص برجله كما تفحص الشاة المذبوحة فأقام طويلا ثم أفاق فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ قوموا تفرقوا.
يقول عمرو بن ميمون: فأخذتُ بيد أبي فخرجتُ به ثم قلت: يا أبتاه هذا الحسن قد كنت أحسبُ أنه أكبرُ من هذا؟!
قال: فوكزني في صدري وكزة، ثم قال: يا بُني لقد قرأ علينا آيةً لو فهمتها بقلبك لألفيتَ لها فيه كلوما! [أي: جروحًا].
وإنما قال عمرو مقولته هذه لأنه لم يدرك عظيم المعنى والأثر من الآيات التي قرأها الحسن على أبيه، وظن أن الحسن سيعظ أباه بموعظة من مواعظه الرائقة المؤثرة، لكنَّ أباه كان أفهم وأوعى منه، وبيَّن له أنه يحتاج إلى تدبر معنى هذه الآيات لينتفع بها قلبُه ويدرك عظيم أثرها.
🌟اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا.. اكتب (آمين) لعلها تكون ساعة استجابة









