باتت شاشاتُ الهاتفِ والأجهزة، في زماننا هذا، تخطفُ أعين الناس، يشاهدون فيها صنوفًا من البشر يعيشون حياة الترف والبذخ في مساكنهم وسياراتهم وملابسهم ومأكلهم ومشربهم.
وغالب الناس -ممن ابتُلي بهذا الأمر- لا يعيش مثل هذه الحياة التي يشاهدها ليل نهار على الشاشات، فلا شك أن ذلك سيحدث انكسارًا في نفوسهم، وربما حزنًا واكتئابا، بل قد يدفع بعضَ الزوجات إلى التسخُّطِ على حياتها وعدم القناعة بها.
ولهذا فقد حذرنا الله من إطلاق البصر إلى هؤلاء المترفين وما هم فيه من النعيم؛ فقال سبحانه:
﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰجࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ﴾ [طه ١٣١]
أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، ثم تذهب سريعا؛ فيندمون حيث لا تنفع الندامة، وإنما جعلها الله فتنةً واختبارًا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسنُ عملا…
{وَرِزْقُ رَبِّكَ} العاجل من العلم والإيمان وحقائق الأعمال الصالحة والآجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم {خير} مما متعنا به أزواجا في ذاته وصفاته {وَأَبْقَى} لكونه لا ينقطع.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحا إلى زينة الدنيا وإقبالا عليها أن يذكرها ما أمامها مِن رزق ربه، وأن يوازن بين هذا وهذا [تفسير السعدي مختصرًا]
ولهذا؛ كان عروة بن الزبير إذا رأى ما عند السلاطين دخل داره، فقال ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ ثم ينادي: الصلاةَ الصلاةَ، يرحمكم الله.
وحين بدرتْ من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بادرةٌ من مدِّ البصر إلى هؤلاء المترفين: "يا رَسولَ اللهِ، إنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيما هُما فِيهِ، وَأَنْتَ رَسولُ اللهِ!"، أرشده النبي ﷺ إلى أن ينظر إلى ما أمامه من نعيم ربه في الآخرة؛ فقال له: "أَما تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لهما الدُّنْيَا، وَلَكَ الآخِرَةُ".
اللَّهُمَ قَنِّعْنا بِمَا رَزَقْتَنا، وَبَارِكْ لنا فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَينا كُلَّ غَائِبَةٍ لنا بِخَيْرٍ..
اكتب (آمين..) لعلها تكون ساعة استجابة!👇









