كشف الله تعالى سرًّا علميًا لم تعرفه البشرية إلا بعد قرون وهو تلاقي البحرين وفصلهما بحاجز يحفظ لكل منهما خواصه دون أن يختلطا. قال تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَاْنِ*بَيْنَهُمَاْ بَرْزَخٌ لاْ يَبْغِيَاْنِ) [الرحمن 19-20].
و﴿مَرَجَ﴾ أي أرسل وخلى. ﴿الْبَحْرَيْنِ﴾ هما البحر المالح والأنهار العذبة. ومن صور الإعجاز هنا أن الله تبارك وتعالى جعل بعضها مالحة؛ لأنها لو كانت كلها عذبة لفسد الهواء وأنتن، لكن الملح يمنع ذلك، وجعل أخرى عذبة وهي الأنهار، فمنها الشرب والزراعة وسقي الدواب.
فسبحانه جل وعلا ما أعظمه، وما أكمل قدرته!
﴿يَلْتَقِيَاْنِ﴾ أي من شأنهما أن يكون مكانهما واحدًا، ثم إنهما بقيا في مكانين متميزين فذلك برهان القدرة والاختيار.
قال أبو زهرة في زهرة التفاسير:
"هذه الآية من دلائل الإعجاز؛ لأن محمدًا ﷺ لم ير البحار التي تمخر عبابها السفن، فذكره سبحانه وتعالى لخواصها في القرآن دليل على أنه ليس من عند محمد ﷺ الذي لم يرها ولم يعرفها، ودليل على أن الكلام للَّه تعالى خالق البحر واليابس، والأنهار والبحار، وهو بكل شيء عليم".
﴿بَيْنَهُمَاْ بَرْزَخٌ﴾ أي حاجز، فخلطهما الله تعالى في رأي العين وحجز بينهما في غيب القدرة، ﴿لا يَبْغِيَانِ﴾ أي لا يطغى ولا يتجاوز أحدهما على الآخر، لا في الظاهر ولا في الباطن.
وجاء في كتاب المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم للصَّلابي:
"وصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف يدل على وجود حاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخًا يفصل بين كل بحرين، ويتحرك بينهما، و بوجود هذا البرزخ يحافظ كل بحر على الخصائص التي قدرها الله له".
وحكى الشنقيطي في أضواء البيان قصته الواقعية فقال:
"وهذا محقق الوجود في بعض البلاد، ومن المواضع التي هو واقع فيها المحل الذي يختلط فيه نهر السنغال بالمحيط الأطلسي بجنب مدينة سان لويس، وقد زرتها عام 1366هـ، واغتسلت مرة في نهر السنغال، ومرة في المحيط، ولم آت محل اختلاطهما، ولكن أخبرني بعض المرافقين الثقات أنه جاء إلى محل اختلاطهما، وأنه جالس يغرف بإحدى يديه عذبًا وفراتًا، وبالأخرى ملحًا أجاجًا، والجميع في مجرى واحد، لا يختلط أحدهما بالآخر".
تحدي التدبر:
ما هما الآيتان اللتان تصفان ظاهرة التقاء البحرين في القرآن غير ما ورد في سورة الرحمن؟
شارك هذا المقال
