إعجاز القرآن في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾

إعجاز القرآن في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾
2025/11/19

يُصوّر الله تعالى في هذه الآية مشهدًا بالغ الدقّة والرهبة، ليعبّر عن حال الذين أعرضوا عن نور الإيمان، فغرقوا في ظلمات الجهل والضلال.
إنّها لوحة قرآنية بديعة تجمع بين الإعجاز البياني والإعجاز العلمي والإعجاز النفسي، لتغوص بالنفس في أعماق التأمل والخشوع أمام قدرة الخالق.
 

الإعجاز العلمي في تصوير البحر اللُّجِّيّ وطبقات الظلمة:
 

قال الإمام السعدي في تفسيره:


"والمثل الثاني، لبطلان أعمال الكفار {كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} بعيد قعره، طويل مداه {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} ظلمة البحر اللجي، ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة، ثم فوق ذلك ظلمة السحب المدلهمة، ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم، فاشتدت الظلمة جدا."


فالآية تبدأ بذكر البحر اللُّجِّيّ، أي البحر العميق الذي لا يُدرَك قعره، حيث تتراكم الطبقات المائية وتتلاطم الأمواج بعضها فوق بعض، حتى تُحجب أشعة النور تمامًا.

وقد أثبت العلم الحديث أن ضوء الشمس لا ينفذ إلى أعماق البحار إلا لمسافات محدودة، وبعد عمقٍ يزيد على مائتي متر تبدأ الظلمات الكاملة، وهي حقيقة لم تُكتشف إلا في القرون الحديثة، مما يؤكد الإعجاز العلمي في التصوير القرآني.


ثم يقول سبحانه: ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾، وهي طبقات من الحجب المتتابعة:

أولها ظلمة الأعماق


ثم الموج الداخلي


ثم الموج السطحي


ثم السحاب الذي يحجب ضوء الشمس


الإعجاز النفسي والمعنوي في رمزية الظلمات:

وهكذا تتكدّس الظلمات الحسية، لتكون رمزًا لـ الظلمات المعنوية التي يعيشها من أضاع نور الهداية، كما قال ابن كثير:
 

"فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي لا يدري أين يذهب، ولا يعرف حال من يقوده."


وفي ختام الآية: ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾، إشارة إلى أن الهداية ليست نورًا يُكتسَب بالجهد البشري فحسب، بل هي نور إلهي يُقذَف في القلب، يفتح البصيرة ويُنير الطريق، ويُخرج الإنسان من أعماق الغواية إلى ضياء الإيمان، أي : من لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر. 

فاحذر أيها العبد المؤمن أن تخرج من مظلة نور الله سبحانه وتعالى لأنك مهما فعلت لن تصل إلى نور الهداية إلا بإذنه سبحانه جل جلاله.

🔹 سؤال تدبّري:


ما أوجه التشابه بين الآية وبين قوله تعالي ﴿فمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125]
 

شاركونا في التعليقات 👇

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة