كلمات تُسكب في القلوب: بماذا أوصى النبي ﷺ في حجة الوداع؟

كلمات تُسكب في القلوب: بماذا أوصى النبي ﷺ في حجة الوداع؟
2025/06/02

أعلن الرسول عزمه على الحج في العام العاشر من الهجرة، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ، ويعمل مثل عمله، وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة.

فكانت حجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها، وسميت حجة الإسلام؛ لأنه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها.

وفي هذه الحجة خطب الناس بحديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد  كما ذكر الإمام النووي في شرح مسلم.

ونقف مع بعض هذه الفوائد والقواعد العظيمة التي كانت بمثابة وصية مودع من النبي لأمته كلها وليس فقط لصحابته الكرام.

 

حين أعاد النبي ﷺ الزمان إلى ميزان السماء:

وفي الصحيحين  (البخاري (1741)،  ومسلم: 1679) عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، قال:

قال رسول الله :

"إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والْمُحَرَّمُ، ورَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ".

قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود:

أي دار على الترتيب الذي اختاره الله تعالى ووضعه يوم خلق السماوات والأرض وهو أن يكون كل عام اثني عشر شهرًا وكل شهر ما بين تسعة وعشرين إلى ثلاثين يومًا، وكانت العرب في جاهليتهم غيروا ذلك فجعلوا عامًا اثني عشر شهرًا وعامًا ثلاثة عشر فإنهم كانوا ينسئون الحج في كل عامين من شهر إلى شهر آخر بعده ويجعلون الشهر الذي أنسؤوه ملغى فتصير تلك السنة ثلاثة عشر وتتبدل أشهرها فيحلون الأشهر الحرم ويحرمون غيره، فأبطل الله تعالى ذلك وقرره على مداره الأصلي.

 

حرمة الدماء والأعراض والأموال:

قال رسول الله :

"فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ،وأَعْراضَكُمْ، حَرامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا".

وزاد في صحيح الترمذي عن عمرو بن الأحوص "أَلَا إنَّ المسلمَ أَخُو المسلمِ، فليس يَحِلُّ لمسلمٍ من أَخِيهِ شيءٌ إلا ما أَحَلَّ من نَفْسِهِ". (رواه الترمذي  في سننه (3078) وصححه الألباني)

جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:

أي تعرض بعضكم لبعض في الدماء والأموال والأعراض محرم ممنوع  كحرمة يومكم هذا يعني تعرض بعضكم لدماء بعض وأمواله وأعراضه في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لها في هذا اليوم في بلدكم أي مكة أو الحرم، وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال.

 

تذكير عظيم بلقاء لا مفر منه:

قال رسول الله :

"وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عن أعْمالِكُمْ"

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح صحيح البخاري:

 وهذا هو الشاهد من الحديث فيسألكم عن أعمالكم وقد ورد أن صفة هذا اللقاء "أن الله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن ويقرره بذنوبه يقول: فعلت كذا فعلت كذا فعلت كذا حتى إذا أقر قال قد سترتها عليك في الدنيا وأنا اغفرها لك اليوم".[رواه البخاري (2441) ومسلم (2768)]

 

تحذير النبي ﷺ من الفتن بعده:

قال رسول الله :

"فلا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا، أوْ ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ"

قال في فتح المنعم شرح صحيح مسلم:

معنى بعدي بعد فراقي من موقفي هذا، أي بعد الآن، أو من ورائي وخلفي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به، أو بعد مماتي، ويكون النبي ، قد تحقق أن هذا لا يكون في حياته، فنهاهم عنه بعد مماته، وفي لفظ للبخاري لا ترتدوا. وضرب الرقاب كناية عن القتل، فالمعنى لا يقاتل فيقتل بعضكم بعضًا، وقال الخطابي:المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه، وقيل: معناه لا يكفر بعضكم بعضًا، فتستحلوا قتال بعض.

 

دعوة للتبليغ والتبصير:

قال رسول الله :

"ألا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَن يُبَلِّغُهُ يَكونُ أوْعَى له مِن بَعْضِ مَن سَمِعَهُ"

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح صحيح مسلم:

ليبلغ الشاهد: يعني الذي حضر، الغائب: من لم يحضر، ويشمل من لم يحضر في عهد النبي ؛ لأنه ليس كل الصحابة حجوا مع الرسول ، ويشمل أيضًا من أتى من بعده، فإنهم غائبون، واللام هنا للأمر والأمر للوجوب، فيجب على كل من عنده علم من الشريعة أن يبلغه؛ لأن الرسول أطلق لم يقل ليبلغ الشاهد الغائب في هذه المسألة فقط، بل وعم. ولعل هنا للتوقع، وقد وقع، فإنه وجد من بُلّغ أوعى ممن بَلّغ، يعني أفهم وأفقه.

 

وصية الوداع بالنساء:

وزاد في صحيح ابن حبان (ح: 1457، وصححه الأرناؤوط) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال:

قال رسول الله :

"فاتَّقوا اللهَ في النِّساءِ فإنَّكم أخَذْتُموهنَّ بأمانِ اللهِ واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ ولكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرَهونَه فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبرِّحٍ ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروفِ"

وهي وصية عظيمة بالمرأة، من تقوى الله عز وجل القيامُ بها ومراعاتُها، أي: أن لهن أماناً فلا يؤذين، فهنَّ آمنات عندكم بأمان الله، فلتقر المرأةُ المسلمةُ عيناً بهذه الحفاوة والإكرام، والرعاية والإحسان، حيث خصّها رسولُ الله بالوصية بها خيرًا في هذا المقام العظيم، وفي هذه الخطبة العظيمة خطبةِ الوداع، كما أنه خصها بالوصية بها في غير مقام،[خطب ومواعظ من حجة الوداع، عبدالرزاق البدر]

 

الاعتصام بالقرآن طريق النجاة:

قال رسول الله :

"وقد ترَكْتُ فيكم ما لَنْ تضِلُّوا بعدَه إنِ اعتصَمْتُم به: كتابَ اللهِ"

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح صحيح مسلم:

الرسول بين أثر هذا الكتاب العظيم قبل أن يعينه ليشتد شوق النفس إلى معرفته فقال عليه الصلاة والسلام(ما لَنْ تضِلُّوا بعدَه إنِ اعتصَمْتُم به) وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام لو تمسكنا به ما ضللنا بعده أبداً كتاب الله. وفيه الحث على الاعتصام بكتاب الله، والرجوع إليه، وأن به العصمة من كل سوء.

 

اللهم اشهد.. قد بلّغ وأدى ونصح

قال رسول الله :

"وأنتم تُسأَلونَ عنِّي فما أنتم قائلون؟

قالوا:

نشهَدُ أنْ قد بلَّغْتَ فأدَّيْتَ ونصَحْتَ.

فقال بإصبَعِه السَّبَّابةِ يرفَعُها إلى السَّماءِ وينكُتُها إلى النَّاسِ:

اللَّهمَّ اشهَدْ ثلاثَ مرَّاتٍ"

ونحن نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، وهذه الشهادة التي شهدها الصحابة رضي الله عنهم يجب على كل مؤمن أن يشهدها، فنحن نشهد أنه قد بلغ وأدى ونصح.

 

الآن جاء دورك:

أنا أجد أن وصية الاعتصام بكتاب الله هي من أكثر الوصايا تأثيرًا لي شخصيًا؛ لأنها ترسخ في القلب ضرورة الرجوع للقرآن في كل الظروف، وهذا هدية عظيمة لكل مسلم.

وأنت، أي وصية أثرت فيك أكثر؟

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة