
يُعدّ ذكر الله تعالى من أعظم العبادات وأجلّ القربات، به تطمئن القلوب وتُغسل الذنوب، وهو صلةٌ دائمة بين العبد وربّه لا تنقطع في ليلٍ ولا نهار. وقد وعد الله الذاكرين بفضله فقال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، فجعل الذكر سببًا لرحمته ومغفرته وقربه من عباده المؤمنين.
اذكروني بطاعتي:
يعني الله تعالى بذلك: فاذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكرْكم برحمتي إياكم ومغفرَتي لكم.
قال سعيد بن جبير:
اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي. وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله.
وقال أبو عثمان النهدي:
إني لأعلم الساعة التي يذكرنا الله فيها، قيل له: ومن أين تعلمها؟ قال يقول الله عز وجل: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ".
وقال ذو النون المصري رحمه الله:
من ذكر الله تعالى ذكرًا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء.
فضيلة الذكر:
والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه:
الأول: النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال ﷺ: "أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟!، قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ". [أخرجه الترمذي (3377) واللفظ له، وابن ماجه (3790)، وأحمد (6/ 447) وصحح إسناده الألباني].
والوجه الثاني: أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر، أو أثنى على الذكر: اشترط فيه الكثرة، فقال: ﴿ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ [الأحزاب: ٤١]، ﴿وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب: ٣٥]، ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال.
الوجه الثالث: أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره: وهي الوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وأنا معهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منه، وإنِ اقْتَرَبَ إلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنِ اقْتَرَبَ إلَيَّ ذِراعًا، اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". [أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675)].
أصل الذكر:
وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له، وسمي الذكر باللسان ذكرًا؛ لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم.
وذكرُ الله باللسان يشمل الذكر المعروف مثل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله والله أكبر، وما أشبه ذلك، ويشمل قراءة القرآن، ويشمل الدعاء، ويشمل كل قول يقرِّب إلى الله عز وجل؛ لأن كل قول يقرب إلى الله فهو من الطاعة.
ويكون بالقلب، وهو التفكر في الدلائل الدالة على وحدانيته وبدائع خلقه ويتوكل عليه ويرجوه ويخافه ويستحضر حُبَّه وعظمته، وغير ذلك من العبادات القلبية.
ويكون بالجوارح وهو الاستغراق في الأعمال التي أمرنا بها مثل: الصلاة وسائر الطاعات التي للجوارح فيها فعل.
أنواع الذكر وثمرته:
والذكر على أنواع كثيرة: فمنها التهليل، والتسبيح، والتكبير، والحمد، والحوقلة، والحسبلة، وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى، والصلاة على النبي ﷺ، والاستغفار، وغير ذلك.
ولكل ذكر خاصيته وثمرته، فأما التهليل: فثمرته إخلاص التوحيد لله تعالى.
وأما التكبير: فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال.
وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار: فثمرتها الشكر، وقوة الرجاء، والمحبة. فإنّ المحسن محبوب لا محالة.
وأما الحوقلة والحسبلة: فثمرتها التوكل على الله والتفويض إلى الله، والثقة بالله.
وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب: فثمرتها المراقبة.
وأما الصلاة على النبي ﷺ: فثمرتها شدّة المحبة فيه، والمحافظة على اتباع سنته.
وأما الاستغفار: فثمرته الاستقامة على التقوى، والمحافظة على شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدّمة.
وختامًا فإن الذكر حياةٌ للقلوب، ونورٌ في الدنيا ورفعةٌ في الآخرة، فلنُداوم على ذكر الله في السرّ والعلن، حتى نكون من الذين قال فيهم سبحانه: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:35].
شاركنا تجربتك:
إذا شعرتَ بأن قلبك ليس حاضرًا أثناء الذكر اللساني (كالتسبيح مثلاً)، ما هي الخطوات العملية التي يمكن أن تساعدك على الوصول إلى "أصل الذكر" وهو التنبه بالقلب؟
........................
المصادر: تفسير الطبري- فتح البيان للقنوجي-تفسير القرطبي-تفسير ابن جزي-تفسير ابن عثيمين.