.في لحظاتٍ لا تتجاوز أصابع اليد، يمكن لقلبك أن يتحرّر من أعباء الدنيا
.روحك تنفصل عن ضجيج المادة لتلتحق بركب الملبّين، تهتف معهم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك
.هناك على صعيد "منى"، حيث تتزاحم الجموع وتهتف القلوب، تتنزل البركات، تُغفر الزلات، وترتفع الأرواح إلى مقامٍ رفيع

 

قال تعالى:

﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]
✦ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هي أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة».

 

✦ الذِّكر.. قلب الحج النابض

ما الحجُ إلا ذكرٌ وتهليلٌ وتكبيرٌ...
قال رسول الله ﷺ:

«أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله»
– رواه مسلم (1141)

في منى وعرفات ومزدلفة، وبين رمي الجمرات – وهي شعيرة يقوم بها الحجاج برمي حصيات على أعمدة ترمز لرفض الشر والمعصية – تتردد أذكار التوحيد.
القلوب تُروى بنور الله، وتتجدد بالذكر.
كان ابن عمر رضي الله عنهما يُكبر في أيام التشريق بعد الصلوات، وعلى فراشه، وفي طريقه، وفي كل أحواله.

 

✦ الذكر لا يحتاج إلى تفرغ، بل يصاحبك في انشغالك:

"فاذكروني أذكركم" [البقرة: 152]
↝ ذكرٌ يُثمرُ طمأنينة: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]

 

مثال عملي:

• قل بعد صلاة الفجر: "سبحان الله" 33 مرة، "الحمد لله" 33 مرة، "الله أكبر" 34 مرة.

• كرر في الطريق إلى العمل: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له...". 

✦ من الذكر إلى القرآن.. غذاء الروح

:من أعظم أنواع الذكر: قراءة القرآن، وقد سماه الله ذكرًا

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر: 9]
↝ قال الإمام ابن القيم: «القرآن هو الذكر الأعظم، ومن لم يكن له ورد منه، فحظه من الذكر ضعيف».

أَحبُّ ما يتقرب به العبد في هذه الأيام أن يقرأ آيات الحج ويتدبر مقاصدها:

﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ [الحج: 28]
↝ قال ابن كثير: «أي يذكروا الله عند الذبح، وبعد الصلوات، وعند رمي الجمرات، وفي كل موطن».

 

✦ الذكر.. منزلة الشهداء!

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

«ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق...؟» قالوا: بلى. قال: «ذكر الله تعالى»
– رواه الترمذي (3377) وصححه الألباني

↝ قال ابن رجب: "فيه أن الذكر أفضل من الجهاد في سبيل الله، وهو شعار القلوب الحية".

وفي الحديث الصحيح:

«من قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، صدقه ربه فقال: لا إله إلا أنا، وأنا أكبر...»
– رواه ابن حبان (829) وصححه الألباني

 

✦ رسالة معاصرة... هل فاتك الحج؟

أيها القارئ العزيز...
إن لم تتمكن من الوقوف في عرفات، فباب الذكر مفتوح، وأبواب المغفرة مشرعة.
↝ قال الحسن البصري: «كل عمل لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر».

كم من عبدٍ لم يحج، ولكنه حاز أجر الحج والعمرة بقلبه ولسانه!

عن جابر رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي ﷺ: في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض..» [صحيح مسلم (1911)]

وقال رسول الله ﷺ:

«من صلّى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة»
. رواه الترمذي (586) وصححه الألباني

.مثال عملي: بعد صلاة الفجر، اجلس 5 دقائق، كرر: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" 100 مرة

 

✦ من نور الشعر

يا ذا الذي ما كفاه الذنبُ في رجبِ
حتى عصى ربه في شهر ذي الحجَبِ
لقد أظلك شهرٌ فيه معظمةٌ
فلا تُحوّله أيضاً شهرَ لعبِ

 

✦  موعدٌ مع الذكر

..أخي المبارك
هل ستدع أيام ذي الحجة تمر دون أن تفتح لك باب القرب؟
:هل يعجز لسانك عن

• "سبحان الله"

• "الحمد لله"

• "لا إله إلا الله"

• "الله أكبر"؟

 

ابدأ الآن:

• خصص وردًا يوميًا من القرآن (مثل ربع أو حزب).

• أكثر من التكبير: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".

• ردّد أذكار الصباح والمساء (مثل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" 3 مرات).

• تذكّر:
  
  ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]
   

اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين.
امنحنا قلوبًا لا تغفل عنك، وألسنة تلهج بذكرك، وعيونًا تدمع من خشيتك.
ولا تحرمنا خير ما في هذه الأيام.

"وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ"
فاذكروا... وتزودوا... وتقرّبوا.