سورة الزمر من السور المكية الجليلة التي تنبض آياتها بروح الإيمان، وتدعو القلوب إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده.
تقع في الجزء الثالث والعشرون من المصحف الشريف، وعدد آياتها خمس وسبعون آية، وقد نزلت لتؤسس في النفس أصل الدين: أن يكون العمل خالصا لله لا رياء فيه ولا شرك.
أسماؤها وفضلها:
اشتهرت بسورة الزمر، ومعنى (الزمر) أي الجماعات، والمقصود بها جماعات الكفار يساقون إلى النار، وجماعات المؤمنين يساقون إلى الجنة، في مشهد مهيب يظهر عدل الله ورحمته.
وتسمى أيضًا بـ" سورة الغُرف"؛ لورود هذا اللفظ فيها.
قال وهب بن منبه : "من أحب أن يعرف قضاء الله - عز وجل - في خلقه فليقرأ سورة الغرف" [تفسير القرطبي]
فضلها: يستحب قراءتها قبل النوم، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر». (حديث صحيح، رواه الترمذي)
الإخلاص جوهر الرسالة:
تبدأ السورة بنداء رباني يأمر النبي ﷺ ومن تبعه بإفراد الله بالعبادة، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}.
فالعبادة في جوهرها ليست طقوسا ظاهرية، بل صفاء نية وصدق توجه وامتلاء قلب بمعنى العبودية الحقّة.
ثم تمضي السورة لتعرض مشاهد البعث والجزاء، مبيّنة مصير المؤمنين والمكذبين، ليبقى الإيمان بالآخرة محرّكا للضمير الإنساني نحو الطاعة واليقين.
ومن أعظم آياتها قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}.
هذه الآية تمس شغاف القلب، وتعيد للأرواح المرهقة أنفاس الرجاء. فهي تذكرنا بأن الله لا يغلق بابه في وجه عائد، ولا يرد توبة منكسرة مهما عظم الذنب.
قال الشوكاني رحمه الله:
"واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ أرْجى آيَةٍ في كِتابِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - لِاشْتِمالِها عَلى أعْظَمِ بِشارَةٍ"
مشاهد العدل والرحمة:
وفي ختام السورة يتجلى مشهد الفصل بين الفريقين؛ المؤمنين الذين سلكوا درب الإخلاص فطاب مقامهم في الجنة، والمكذبين الذين أعرضوا فساء مأواهم في النار. مشهد يهز القلب حين يسمع قول الملائكة لأهل الجنة: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.
وختامًا: من يتأمل سورة الزمر يدرك أن الإخلاص ليس مجرد خلق جميل، بل هو سر النجاة وميزان القبول. كلما خلصت النية صفا القلب، وكلما صفا القلب أشرقت فيه أنوار المعرفة.
تحدي التدبر: ماهي السورة المنجية من عذاب القبر ؟
شاركنا في التعليقات









