الشتاء ربيع المؤمنين: غنيمة باردة بلا ثمن

الشتاء ربيع المؤمنين: غنيمة باردة بلا ثمن
2025/11/14

يظن الكثيرون أن الربيع هو فصل الأزهار والجمال الحسي الذي يبعث على النشاط البدني، بينما يرى أهل الإيمان أن الشتاء هو ربيع قلوبهم الحقيقي؛ لأنه الموسم الذي تُتاح فيه فرص عظيمة للتقرب من الله بأقل كلفة وأعظم مردود. هذا المعنى الجليل لخصه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشهير: "الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ، طَالَ لَيْلُهُ فَقَامَهُ، وَقَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ." فالمؤمن لا يرى في البرد عائقاً أو فترة خمول، بل يراها فرصة سانحة لاغتنام الأجر والتحصن بالفضائل.
 

1. طول الليل وقصر النهار: غنيمة العابدين

يُعد فصل الشتاء فترة راحة روحية للعابدين الذين يستعدون لـ ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾ [الشعراء: 88].
ففيه يطول الليل، مما يتيح للمؤمن فرصة القيام والتهجد، فيستوفي حظه من النوم والراحة، ثم يقوم في ظلمة الليل وسكونه، بعيداً عن صخب الحياة، متقرباً إلى ربه خفية. قال تعالى في وصف عباد الرحمن القائمين: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: 16]. إن البرد يدعو إلى التخلي عن الفراش الدافئ، وهذا التحدي البسيط يضاعف الأجر.

في المقابل، يَقصر النهار، فيسهل صيام النوافل دون مشقة العطش والجوع الطويل الذي يعاني منه الصائم في فصل الصيف، وكأن الشتاء يقدم العبادات مهيأة وميسرة. هذا القصر في زمن الصيام هو هدية للمؤمنين الطامعين في الأجر الوفير بلا عناء.

2. مدارسة النفس والقلب: بين الدفء والزمهرير

فترة البرد القارس هي أيضاً تذكرة وعظية بليغة. فبرودة الجو تُذكِّر المؤمن بـ زمهرير جهنم، وتدفعه لطلب النجاة منها، والالتجاء إلى الدفء الروحي بالطاعات. هذا الشعور بالبرد يزرع في القلب اليقظة والرهبة، ويحث على الأعمال التي تُدخل الجنة، التي قال عنها سبحانه: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: 13].

كذلك، يمثل الشتاء بآياته الكونية (المطر، والرعد، والبرق) دافعاً عظيماً للتفكر في عظمة الخالق، ففي كل قطرة ماء آية، وفي كل صوت رعد عظة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. إن الشتاء موسم تُرفع فيه الدرجات وتُغفر فيه السيئات بأيسر الأسباب، فحق له أن يكون ربيعاً تستريح فيه النفوس وتشحذ الهمم وتُحصَّل الغنائم بلا عناء.

وختامًا
إن التدبر في فصول العام واختلاف الليل والنهار هو مدرسة إيمانية لا تنتهي.

شاركنا: ما هي الآيات القرآنية التي تدعوك إلى التدبر في تقلبات الكون أو فصول السنة؟
 

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة