مشهدٌ إنسانيّ مهيب يكشف فيه النداء الأبويّ لنوحٍ عليه السلام أن الرحمة لا تُغني عن القدَر، وأن النجاة لا تكون إلا لمن رحم الله.
قال تعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ﴾ وكان كافرًا، دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم.
ولم يكن هذا النداء عندما استيقن القوم الغرق، بل كان في أول ما ظهرت العلامات لنوح عليه السلام ببدء الطوفان المهلك للكافرين.
وحال الابن في ذلك الوقت أنه ﴿كَانَ فِی مَعۡزِلࣲ﴾ أي مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته ومن آمن.
ثم انظر إلى استعطاف نوح عليه السلام بقوله: ﴿یَـٰبُنَیَّ﴾ مذكرًا له بالبنوة إذ عبر بـ (بني) وهو تصغير (ابن)، بحيث جعله كالصغير في كونه محل الرحمة والشفقة.
وهنا إشارة إلى أن حرص الرسل عليهم السلام وشفقتهم - وإن كانت مع رؤية الآيات العظام والأمور الهائلة - ليست سببًا للين القلوب، وخضوع النفوس ما لم يأذن الله.
وكرر الأب الذي تأخذه الشفقة والرحمة بابنه وهو يرى المصير المحتوم للمكذبين ﴿ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ وفيها تأكيد للأمر بركوب سفينة المؤمنين، ونهي عن معايشة الكفرة الغارقين لا محالة.
وكان يعلم أنه كافر إلى ذلك الوقت لكنه عليه السلام ظن أنه عند مشاهدة تلك الأهوال ينزجر عما كان عليه، ويُقبل على الإيمان.
ولم يقل نوح عليه السلام لابنه (مع المغرقين) إشارة إلى أن من له عقل وهمة ينبغي أن يكون تحفظه على صون دينه آكد من تحفظه على صون نفسه؛ لأن حفظ الأديان آكد من حفظ النفوس.
رفض الابن نصيحة والده وظن أنه يملك طوق النجاة و(قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ). أي سأسرع الخطوات إلى قمة جبل شاهق ففيه العصمة من الغرق!
وكان رد الأب قاطعًا كل شك (قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ). فالعصمة من المصير المظلم ليس في رأس الجبل، وإنما في طلب الرحمة من الله وحده، إذ لا معصوم على الحقيقة إلا من رحمه الله سبحانه.
ثم جاء قضاء الله عز وجل لينتهي الحوار السريع بموجة خاطفة أنهت كل شئ ليلقى ذلك الابن العاق مصيره المحتوم (وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ).
شاركنا رأيك:
ما أكثر مشهد أثّر فيك: نداء نوح لابنه؟ أم ردّ الابن المتكبر؟ أم الخاتمة المأساوية؟
شارك هذا المقال
