
حين نغوص في تاريخ الأمة الإسلامية، نرى رجالًا لم يكونوا مجرد أفراد عاشوا ثم مضوا، بل كانوا منارات أضاءت دروب الهداية، وتركوا أثرًا خالدًا في قلوب المسلمين.
ومن بين هؤلاء، يبرز اسم عبد الله بن عامر الدمشقي، أحد أعلام التابعين وإمام القراءة في بلاد الشام، والذي خُلد اسمه كواحدٍ من القراء السبعة الذين نُقلت عنهم القراءات المتواترة للقرآن الكريم.
مولده ونشأته
وُلد عبد الله بن عامر في دمشق، قيل سنة 8 هـ أو بعدها بقليل، ونشأ في بيئةٍ مليئةٍ بالعلم والقرآن.
وقد كانت دمشق آنذاك أحد مراكز العلم في الدولة الإسلامية، وكان من الطبيعي أن يترعرع فيها مثله من أهل القرآن.
وقد أدرك خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، لكنه لم يكن في سن يُؤخذ عنه فيها، فعدّه العلماء من التابعين.
رحلته مع القرآن
أخذ عبد الله بن عامر القراءة عن كبار الصحابة في الشام، وعلى رأسهم أبو الدرداء رضي الله عنه، الذي كان من أكثر من أثروا في مسيرته.
كما تتلمذ على يد المغيرة بن أبي شهاب. وما لبث أن صار إمامًا للناس في جامع دمشق، يقرأ عليهم القرآن ويُعلّمهم أحكام تلاوته.
من أشهر من قرأ عليه ونقل قراءته هشام وابن ذكوان، وهما الراويان المعروفان بقراءة ابن عامر.
وقد قال عنه أبو الدرداء كلمة عظيمة:
"ما رأيت أحدًا أقرأ لكتاب الله من عبد الله بن عامر".
مكانته وثناء العلماء عليه
لم يكن عبد الله بن عامر مجرد مقرئ، بل كان زاهدًا عابدًا، ومن العلماء الذين يُقتدى بهم. وقد أثنى عليه عددٌ من كبار الأئمة:
-
قال الذهبي في السير: "كان إمام أهل الشام في القراءة، مجودًا، فقيهًا، قانتًا لله".
-
وذكره ابن الجزري في غاية النهاية قائلاً: "هو عبد الله بن عامر اليحصبي، شيخ دمشق وإمامها وقارئها الذي لا يُشق له غبار".
اشتهر بقراءته المتقنة، حتى أدرجها ابن مجاهد ضمن القراءات السبع المعروفة.
وفاته
توفي الإمام عبد الله بن عامر سنة 118 هـ، وقيل سنة 127 هـ، بعد حياةٍ قضاها في خدمة القرآن، وتعليمه، وتخريج القرّاء.
ودفن في دمشق، تلك المدينة التي عرفته إمامًا ومعلّمًا للناس.
رسالة معاصرة
عندما نتأمل في سيرة عبد الله بن عامر، لا نراه فقط قارئًا متقنًا، بل نراه نموذجًا حيًا لشخصٍ عاش للقرآن وبالقرآن.
فى سلوكه، زهده، علمه، وتفانيه، كل ذلك يدعونا لنسأل أنفسنا:
أين نحن من القرآن؟
هل نكتفي بتلاوته دون فهم؟
هل نُجيد أحكامه أم نهمله في زحام الحياة؟
في وقتٍ طغى فيه الانشغال بالدنيا، تذكر أن القرآن لا يُعطى إلا لمن أعطاه كُلّه.
وقد قال أحد الشعراء في وصف أهل القرآن:
وبيتٌ به قارئٌ للكتابِ
كأنَّ به الروحَ في كل بابِ
إذا نطقتْ آيةٌ من فؤاده
سكبتْ على القلبِ ماءَ السَّحابِ
وفي الختام رسالة لك :
سيرة عبد الله بن عامر ليست مجرد حكاية من التاريخ، بل هي دعوة نابعة من قلب الزمان تقول لنا:
🔹 هل فكرت أن تتعلم قراءة القرآن بإتقان؟
📌 شاركني رأيك في التعليقات:
من القارئ الذي تحب أن تستمع إليه؟