
مقدمة
تزخر الأمة الإسلامية برجالٍ حملوا القرآن الكريم والسنة النبوية، وصاروا مناراتٍ في العلم والإقراء والحديث، وكان من هؤلاء الأعلام الإمام خلف بن هشام البزّار، أحد أئمة القراءات المشهورين، وعالم من علماء الحديث الذين عُرفوا بالصدق والإتقان. وفي هذا المقال نسلط الضوء على حياته، مكانته بين العلماء، أقوال الأئمة فيه، ثم نستلهم من سيرته رسالة معاصرة نافعة لأمتنا.
نسبه ونشأته
هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البزّار البغدادي، وُلد سنة 150هـ تقريبًا، ونشأ في بغداد حيث نهل من علومها، وأخذ القراءات والحديث عن كبار شيوخ عصره. اشتهر بلقب البزّار لكونه كان يتجر في البزّ (الثياب).
شيوخه وتلاميذه
تلقى خلف القراءة والحديث عن عدد من الأعلام، منهم:
-
حمزة الزيات (ت 156هـ)، وهو أحد القراء السبعة.
-
إسحاق الأزرق.
-
سليمان بن مهران الأعمش (ت 148هـ).
وأخذ عنه القراءة والحديث جماعة، من أبرزهم:
-
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه).
-
أحمد بن حنبل.
-
الحسين الجعفي.
مكانته في القراءات
يُعَدّ خلف البزّار إمامًا في القراءات، وهو أحد القرّاء العشرة المشهورين، وله رواية مشهورة في كتب القراءات عُرفت بـ قراءة خلف العاشر. كما كان راويًا عن الإمام حمزة الزيات، حيث نقل عنه القراءة حتى صارت له مكانة مرموقة بين القراء.
منزلته في الحديث
لم يقتصر علمه على القراءات، بل كان محدّثًا ثقة، حدّث عن جماعة وروى عنه الأئمة، وقد أثنى عليه العلماء، فقال:
-
قال الذهبي في السير (10/580): "الإمام المقرئ الحافظ، شيخ القراء ببغداد".
-
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (3/120): "صدوق متقن".
-
وقال النسائي: "ليس به بأس".
من رواياته في الحديث
روى خلف البزّار حديث النبي ﷺ:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"،
فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
-
التخريج: رواه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر، رقم: 91).
أقوال العلماء فيه
-
قال أبو حاتم الرازي: "صدوق".
-
وقال ابن مجاهد: "كان من أعلم الناس بقراءة حمزة".
-
وقال الذهبي: "كان إمامًا في القراءة، متقنًا ضابطًا، ثقة في الحديث".
وفاته
توفي خلف بن هشام البزّار سنة 229هـ في بغداد، بعد أن خلّد ذكرًا طيبًا في ميادين القراءات والحديث، تاركًا للأمة علمًا ينتفع به إلى اليوم.
رسالة معاصرة
إن سيرة خلف البزّار تحمل لنا اليوم رسائل عظيمة، لعل أبرزها أن القرآن الكريم أساس النهضة والتمكين، وأن خدمة كتاب الله هي ميراث لا ينقطع. كما أن الجمع بين العلم والتجارة والعمل الدنيوي يبيّن أن المسلم يمكنه أن يكون منتجًا في دنياه، نافعًا في دينه. فكم نحن بحاجة في عصرنا أن نسير على خطى هؤلاء الأئمة، فنُقبل على كتاب الله حفظًا وتدبرًا، ونسعى في معايشنا بصدق وأمانة.
وفي الختام
لقد مضى الإمام خلف بن هشام البزّار إلى ربّه، وبقي أثره وعلمه حيًّا، يتدارسه القراء إلى يومنا هذا. والسؤال لنا جميعًا: ما الأثر الذي سنتركه بعد رحيلنا؟