حين يتأخر رزقك ويشتد همّك.. ماذا تفعل؟

حين يتأخر رزقك ويشتد همّك.. ماذا تفعل؟
2025/09/13

تجري أقدار الله في ملكه بحكمة بالغة، فهو سبحانه بالغ أمره، نافذ قضاؤه، لا يسبق شيءٌ ميعاده ولا يتأخر عن أوانه. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق:3].

 

بالغ أمره.. فلا رادّ لقضائه:

﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أي: المحيط بكل كمال، المنزه عن كل نقص ﴿بالِغُ أمْرِهِ﴾ أي: جميع ما يريده.

وسماه أمرًا إشارة إلى أنه مما يستحق أن يؤمر به، وإلى أنه إذا أريد لم يتخلف بوجه، كما قال تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 16]. وقال عز وجل: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117].

والمعنى أن الله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر لا يفوته شيء، ولا يعجزه مطلوب، ولا يرده شيء.

قال ابن مسعود رضي الله عنه:

قاضٍ أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل، ولكن المتوكل يكفر عن سيئاته ويعظم له أجرًا.

وقال ابن كثير:

أي: منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه.

 

وصية نافعة:

ومن أعظم الوصايا النبوية الجامعة التي ترسم طريق اليقين والتوكل على الله ما جاء عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:

(يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ) [أخرجه الترمذي (2516) واللفظ له، وأحمد (2669) وصححه الألباني].

فلنطمئن أن ما قُدّر لنا لن يفوتنا، وما لم يُكتب لنا فلن يصيبنا.

 

سرّ الرضا بالقدر:

﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ أي تقديرًا وتوقيتًا أو مقدارًا لا يتعداه وإن اجتهد جميع الخلائق في أن يتعداه فقد قدر سبحانه للشدة أجلاً تنتهي إليه، وللرخاء أجلاً ينتهي إليه، كَقَوْلِهِ: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨].

قال مقاتل: قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدرًا، فقدر متى يكون هذا الغني فقيرًا، وهذا الفقير غنيًا.

وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ولا يقع في ملك الله إلا ما يريد الله.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

(إنَّ عِظَمَ الجَزاءِ مِن عِظَمِ البَلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قَومًا ابْتلاهُمْ، فمَن رضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السُّخْطُ) [أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وحسن اسناده الأرناؤوط].

 

حين يكتمل الأجل يتحقق الأمل:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين:

لما ذكر سبحانه وتعالى كفايته للمتوكل عليه، فربما أوهم ذلك تعجل الكفاية وقت التوكل، فعقبه بقوله: ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ أي: وقتًا لا يتعداه؛ فهو يسوقه إلى وقته الذي قَدَّرَه له، فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت ودعوت فلم أر شيئًا، ولم تحصل لي الكفاية، فالله بالغ أمره في وقته الذي قدر له.

وقد وجهنا النبي ﷺ إلى عدم الاستعجال في حصول المراد، فقال ﷺ: (يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) [رواه البخاري:6340].

 

من فوائد هذه الآية:

1-الحض على التوكل وتأكيد له؛ لأن العبد إذا تحقق أن الأمور كلها بيد الله توكل عليه وحده ولم يعوّل على سواه.

2- أنه ينبغي للعبد ألا يستبطئ نصره ورزقه وعافيته؛ فإن الله تعالى بالغ أمره، وقد جعل لكل شيء قدرًا لا يتقدم عنه ولا يتأخر.

3- من أيقن أن لكل شيء قدرًا، سكنت نفسه، واطمأن قلبه، ورأى في البلاء والرخاء وجه الحكمة، فاستراح بالرضا والتسليم لرب العالمين.

 

شاركنا تجربتك:

هل مررت بموقف أدركت فيه أن "لكل شيء قدرًا"؟ وكيف أثّر ذلك على يقينك؟

..........................

المصادر:

فتح البيان للقنوجي، تفسير ابن جزي، تفسير السعدي، تفسير ابن الجوزي، نظم الدرر للبقاعي، تفسير أبي السعود، بدائع الفوائد لابن القيم، إعلام الموقعين لابن القيم.

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة